والقدح
لطالما بحثنا في أدبيات الآخر عن كلمة تمجيد أو ثناء في حق نبينا صلى الله عليه وآله أو في حق أئمتنا عليهم السلام أو علمائنا.
وهذه الحالة تتسع دائرتها قوميا وجغرافيا عند بعض المجتمعات الإسلامية لتصل إلى الأدنى ثم الأدنى.
فإذا كان هنالك مدح لرمز أو قائد أو مفكر أو رائد فنحن نميل إلى من يمدحه ونذم من ينتقده (فضلا عمن لا ينسجم معه أصلا). وهذا ممكن أن نتصوره فيما يحصل عادة من المجتمعات باتجاه رموزهم
ولكن في خصوص النبي والعترة صلوات الله عليهم وهم الأسوة والقدوة الموضوع مختلف ( من وجهة نظري) فنحن دائما نبحث عن النصوص المادحة لهم ونفتش فيما قاله نيتشه أو أينشتاين أو غيره أو أن نبحث عما قاله غاندي في حق الإمام الحسين عليه السلام وما قاله أنطوان بارا وغيرهم من الثوار والمفكرين.
لننبهر بأقوالهم ونتعاطى نصوصهم كأنها مقدسة أو فريدة أو خارقة للنواميس الطبيعية ( طبعا لا يتبادر إلى ذهنك أني في هذا المقال أنتقد علماء العالم فهذه ليست غايتي أبدًا ) ونعيش حالة النشوة والفرح لأن ذاك العالم أو المفكر ذكر نبينا صلى الله عليه وآله بشيء من الإنصاف أو الثناء.
طبعا ليس لدي مشكلة مع مديح الساسة للقادة أو الرموز ما دون النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم لأنهم مهما اختلفوا في الدين والمعرفة فيمكن أن يقاس بهم من باب النسخية أو المرتبة
لكن حديثي عن النبي وآل بيته فكيف يمكن أن يستدل على الأعلى بالأدنى ؟
ولو قلت لي هذا جائز في المنطق من باب البرهان *ألمي والاني*. فأنا هنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل يصعب على غير الدارسين فهمها.
ولكن ألا يرى أن هذه الثنائية تفتح علينا أكثر من باب وتساؤل.
هل نحن فعلا نعتقد أن النبي مرسل ومرتبط بالسماء؟
هل نحن فعلا نعرف معنى الإمامة والخلافة ؟
هل يؤثر فينا قول فلان وفلان حتى يعضد عقيدتنا في من نتبع!!!
لقد ورد في الأثر عن سيد البلغاء عليه السلام وهو يناجي الله عز وجل أنه قال: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا.
إذا أين نحن من هذا القطع واليقين والاطمئنان؟ أو ليست الأدلة القرآنية والآثار التاريخية والوجدانية تحتم علينا ألا ننتظر أو ننظر لأي كلام خارج الكلام القدسي في حق نبينا صلى الله عليه وآله؟
هل غفلت عن القرآن وما ذكر في نعت النبي ووصفه وسمته؟
فتارة يصفه
وتارة يمدحه
وتارة ينصبه
إذ يقول سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قبلُ لفي ضَلَال مُبِين) سورة الجمعة الآية: ٢.
ويقول جل جلاله بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِنَّكَ لَعَلَّىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم الآية: ٤.
وكذلك قال سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة الأحزاب الآية: ٢١.
ورب قائل يقول يمكن أن نستفيد من هذه الإشادات من باب الفضل ما شهدت به الأعداء.
وهذا يفتح الباب الآخر وهو القدح فأنت تأخذ من هذا في مجال وتتركه في مجال آخر
فأنت تفكر بما تريده أنت فإذا مدح أصبح عالِمًا نحريرًا وإذا ذم أصبح كافرًا زنديقًا؟ إذًا هل هذه منطلقات الإنسان الحر ؟
لقد شاهدنا أناسًا لا قيمة لهم ولا قدر لمجرد مدحهم لجهة أصبحوا في الخطوط الأولى وصارت *أنواط* الشجاعة تهدى لهم بالمجان.
وبالمقابل نسفت حياة أناس كلها عطاء وتضحية لمجرد نقد أو عدم توافق مع موقف لا يفسد في الود قضية.
أعتقد أن التدين الحالي هو تدين العقل الجمعي الذي ساقه التوجيه والمصلحة ( طبعا بعض النَّاسِ ولا يوجد تعميم حتى أخلص من المتربصين بالعبارات ) وليس ذاك التدين الذي لا يغير علاقته مع الآخر وفق المصلحة والنفع الشخصي.
إن أزمة الوعي التي ترافق العقيدة عند الكثير من الناس هي أزمة حقيقية لا عرضية وهذه صراحة لعلها قاسية لكنني أرجو أن تحدث هزة في ضمير العالم الإسلامي حتى يعودوا إلى الله ورسوله كما أمرهم الله بذلك حيث قال جل من قال بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذٰلَك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
النساء الآية: ٥٩.
وأنا أكتب هذه السطور انتابني شعور عجيب هرول بي إلى وصف أمير المؤمنين لرسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، حيث يصفه بوصف لا يسمعه مؤمن إلا وبكى ولطم وجهه على غفلته بحق نبيه صلى الله عليه وآله.
يقول سيد البلغاء عليه السلام وهو يصف لنا سيد العرب والعجم :
0 التعليقات:
إرسال تعليق