*هذه الجمعة قد تكون الأخيرة!!*
مكتب العلّامة المهتدي في البحرين ينشر بيانًا لسماحته (حفظه الله) تذكيرًا بالأهمّية العباديّة والمعنويّة والمَعْرَفيّة لآخر جمعة من شهر شعبان المعظّم سنة 1442.
*(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)*
الْحَمْدُ لله الَّذِي إلَيْهِ مَصَائِرُ الْخَلْقِ، وَعَوَاقِبُ الْأَمْرِ، نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ، وَنَيِّرِ بُرْهَانِهِ، وَنَوَامِي فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً، وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً، وَإلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً، وَلِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً. وَنَسْتَعِينُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ، مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ، وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ، مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ، مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ. وَنُؤْمِنُ بِه إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً، وَأَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً، وَخَنَعَ لَهُ مُذْعِناً، وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً، وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً، وَلاَذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً...
ثمّ أزكى الصّلاةِ وأنمى السّلامِ على البشيرِ النذيرِ والسّراجِ المنير.. حبيبِ قلوبِنا وطبيبِ نفوسِنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى أهلِ بيتِه الّذين أذْهَبَ اللهُ عنهُمُ الرّجْسَ وطَهَّرَهُم تطهيرًا...
*أمّا بعد:*
فإنّ اللهَ عزّ وجل خَلَقنا ليُربِحَنا الجنّة.. والخاسر فينا هو الذي لا يفهم الحكمة من وجوده الفاني في هذه الدنيا الدنيّة.. بينما الرابح فينا هو الذي يفهم هذه الثلاثيّة:
* من أين جاء...
* وفي أين هو الآن...
* وإلى أين سيؤخَذ من حين موته!!
*فيا أيّها الإخوة.. وأيّتها الأخوات:*
لقد مَنَحَنا اللهُ فرصةَ الحياة ولا أحد منّا يعلم ساعة انتهائها برحيله منها، وإنما أخفاها اللهُ علينا لئلا نتكاسل عن التزوُّد بزاد العمل الصالح المبنيّ على أساس الإيمان الصادق.. وهو القائل: *(مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ).*
ومن نِعَمِ الله جلّ جلاله علينا أن بيّن لنا من الدّين ما يهدينا إلى ذلك الهدف العظيم.. إنه الدّين القويم الذي لا يستقيم لنا ولا نستقيم له إلا برجوعنا إلى رسوله الكريم وأوصيائه الأئمة المنتجبين (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين) كي نفهم الحلال لنأخذ منه ونفهم الحرام لنتجنّبه حيث قال الله تعالى: *(وَمَاۤ ءَاتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ).*
يتحقّق هذا الأمر لنا في بعده العملي لمّا نمتلك في داخلنا دوافع روحيّة وشحنات معنويّة تجعلنا نحبّ الله بشدّة فنحبّ العبادة بين يديه والتضرّع إليه.. ومن دون هذه الدوافع الداخليّة تخبو فينا شعلةُ الحركة إلى تلك الأهداف السامية للدّين في الحياة فتضعف لدينا إرادة السير إلى رضا الله والسلوك إلى رضوان الله.
من أجل اكتساب هذه القوّة الروحيّة وامتلاكها في البواطن قد جعل الله لنا محطّات زمانيّة مقدّسة وجعل لنا أيضًا محطّات مكانيّة مقدّسة لنتزوّد باستمرار ودون توقُّف.. فالمحطّات الزمانيّة مثل شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان.. وليلة القدر مثلًا. والمحطّات المكانيّة مثل المسجد الحرام والمسجد النبويّ الشريف والعتبات الشريفة لأئمتنا الأطهار في النجف الأشرف وكربلاء والبقيع والكاظميّة وسامراء ومشهد المقدّسة.. ومثل مسجد الكوفة ومسجد السهلة وغيرهما...
فإنْ كانت الأمكنة المقدّسة لا تتوفّر لأكثر المؤمنين والمؤمنات أسباب السفر إليها فإنّ الأزمنة المقدّسة متوفّرة للجميع وفي كلّ البيوت وجميع أنحاء العالم...
نحن الآن في يوم الجمعة من آخر شهر شعبان.. وهو من الأزمنة المقدّسة التي لا ينبغي لنا أن نفوّتها على أنفسنا ونتركها بلا ما حثّنا عليه الإسلام.
فهذا عبد السلام بن صالح الْهَرَوِيِّ يقول: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (عليه السلام) فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقَالَ لِي:
*{يَا أَبَا الصَّلْتِ شَعْبَانَ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ، وَهَذَا آخِرُ جُمُعَةٍ مِنْه:*
•• *فَتَدَارَكْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ تَقْصِيرَكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُ،*
•• *وَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يُعِينُكَ وتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيك،*
•• *وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ،*
•• *وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ؛ لِيُقْبِلَ شَهْرُ اللهِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِله عَزَّ وَجَلَّ،*
•• *وَلَا تَدَعَنَّ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ إِلَّا أَدَّيْتَهَا، وَلا فِي قَلْبِكَ حِقْداً عَلَى مُؤْمِنٍ إِلَّا نَزَعْتَهُ، وَلَا ذَنْباً أَنْتَ مُرْتَكِبُهُ إِلَّا أَقْلَعْتَ عَنْهُ،*
•• *وَاتَّقِ اللهَ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فِي سِرِّائرك وَعَلَانِيَتِكَ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا ً)،*
•• *وَأَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيما بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ: اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ فَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ. فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يُعْتِقُ فِي هَذَا الشَّهْرِ رِقَاباً مِنَ النَّارِ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ}.*
لقد وضع لنا الإمام الرضا (عليه السلام) بهذه التوجيهات خـطّةً للاستثمار المعنوي كي نمهّد به طريقنا للدخول إلى ضيافة الله في شهر رمضان العظيم ولكي ندرك بإذن الله ليلةَ القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.. فهل نقرّر من دقائق هذه الساعة تفعيل تلك الإشارات المَعْرَفيّة وتطبيقاتها المعنويّة فنرفع بها رصيدنا في الجنّة.. أم نُهمِلها ونُشغِل أنفسَنا بالدنيا وما فيها من أكلٍ ونومٍ وضحكٍ وشغلٍ وسوقٍ وشراء والافراط في الدخول على مواقع التواصل وأفلام اليوتيوب والجلوس مع المسلسلات التلفزيونيّة التي أُعِدّتْ ليعيش الناس وفق ما وصفهم الله عزّ وجل: *(یَعۡلَمُونَ ظَـٰهِرࣰا مِّنَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ غَـٰفِلُونَ)!؟*
الخيار كما القرار بأيدينا الآن.. ولكنّ الجمعة هذه قد تكون الأخيرة من حياتنا.. لا نعلم، ولا أنت تعلم!!
من هنا فإنّ العاقل الذي يريد أن يربح الجنة يلتزم السعي لها.. وقد قال تعالى: *(وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤئكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا).*
بهذا أذكّر نفسي أيّها الأحبّة وأذكّركم *(فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ).*
أللهم نَبِّهْنا من نومة الغافلين لنفقه معاني ما كان يدعو به نبيُّك الأمين (صلى الله عليه وآله) في شهر شعبان ويقول: *{اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ ، وَمِنَ اليَّقِينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا ، اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا ، وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا ، وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا ، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا ، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَر هَمِّنا ، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا ، بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ}.*
داعيكم الملتمس لدعواتكم.. والفقير إلى رحمة ربّه الغنيّ:
*عبدالعظيم المهتدي البحراني*
26/شعبان/1442
0 التعليقات:
إرسال تعليق