04:54:06صباحا

اخبار المركز

الثلاثاء، 30 مارس 2021

حسن عطوان

/ نقد وتقويم الآخر ، نظرة في المشروعية والإسلوب / 
[ الحلقة الأولى ] ( 1 _ 3 )

أحبتي جميعا ..
 السلام عليكم ..

⏺ لحاجة أظنها ماسة تتمثل في إيضاح الرأي الشرعي في مانراه من خبط عشواء لايميز بين التقويم والتسقيط ، 
بين الإرشاد والإنتقاص ، 
أجدني ملزماً في الكتابة في ذلك ولو بنحو الإشارة .
هناك فرق كبير بين التقويم والإرشاد من جهة وبين التسقيط والإنتقاص من جهة أخرى .

 ⏺ وإجمالاً أقول : 

إن النقد والتقويم له نحوان : 

◀️ تارة يكون نقداً لذات نفس الناقد .

◀️ واخرى يكون نقداً للآخر . 

⏺ والنقد للذات : 

يعني _ فيما يعنيه _ توقف الانسان مع ذاته ليتأمل مسيرته السابقة في مواقف الضعف والقوة ، ومواطن الإخفاق والنجاح فيها ؛ ليرسخ مواطن القوة والنجاح ، ويحاول أن يتخلص من مواطن الضعف والإخفاق .
وكل إنسان منا محتاج لمثل هذه الوقفة ، وإلا فإنه سيجد نفسه في أخطاء لاتٌعد ولاتٌحصى ، وعلى كل إنسان منّا أن يقتنص الفرص أو يصنعها للتوقف قليلاً عما هو منشغل به ليدرس مسيرته السابقة في أية دائرة من دوائر حركته .
ومثل هذا الإنسان المتأمل كثيراً في مسيرته ربما هو وحده القادر على دراسة مسيرة الآخر ومن ثم تقويمها سلباً أو إيجاباً .

ولست هنا بصدد التفصيل في الحديث عن هذا النحو من النقد . 

⏺ اما نقد الآخر :

فهو ما أريد الحديث عنه _ إنْ شاء الله _ بحدود ما يناسب هذه الوقفة . 

للنقد في كتب اللغة عدة معانٍ ولكن أبرزها في موردنا معنيان : 

1️⃣. النقد : وهو التمييز بين الجيد والردئ من الدراهم والدنانير . 
قال في المنجد : نقدَ الدراهم وغيرها : ميّزها ونظرها ليعرف جيدها من رديئها . فيقال : إنتقد الدراهم : أخرج الزيف منها . 

2️⃣. العيب والثلم ، جاء في الأثر : " إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك " .
أي : إنْ عبتهم أو إغتبتهم قابلوك بمثله . 

◀️ ولعل المعنى الثاني هو المعنى الشائع من هذه الكلمة في مجتمعاتنا ، 
فما أنْ تُطلق كلمة النقد حتى يُفهم منها الثلم ونشر العيوب . 

ولكن المعنى اللغوي الاول للنقد _ وهو التمييز بين الجيد وغير الجيد _ هو أنسب المعاني وأليقها بالمراد من كلمة النقد ، 
فإنَّ فيه معنى الفحص والموازنة والتمييز والحكم . 
ويشهد لذلك أننا إذا تأملنا مايقوله النقاد الموضوعيون نرى أنهم لايجاوزون هذا المعنى في حد النقد . 

⏺ فالنقد إذن : هو عملية تقويم للمواقف وتصحيح للسلوك من أجل وضع كل شئ في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه ، وكل عمل قيمته ، وتمييز الخطأ من الصواب ، والصحيح من الفاسد ، لتبنى مسيرة الحياة على خطىً سليمة . 

⏺ ولكن ، الواقع يسوده كلا النموذجين ، فكما ان الكثيرين يرون أن عملية النقد هي عملية تمييز للخطأ من الصواب ، فهناك من يرى ايضاً أن هذه العملية ليست أكثر من وسيلة من وسائل التشهير والتخريب والهدم ، ولأن كلا النموذجين موجود في واقع الحياة فدعوني أتوقف قليلاً مع ما أفهمه من موقف للشريعة من كلٍ من هذين النموذجين من النقد . 

⏺ أما موقف الإسلام من النقد الذي يستهدف التجريح والتشهير بالآخرين ، 
فإنَّ الاسلام يرفض مثل ذلك بشدة ، مما نجده واضحاً في الكثير من الأحاديث التي أشارت الى حكم الغيبة والتفتيش عن عثرات الناس وزلاتهم والإساءة لأشخاص بلمز أو همز أو صورة وما الى ذلك . 

ودعوني أناقش هذه القضية من خلال عدة أسئلة : 

1️⃣ كيف ينظر الإسلام الى الحياة الذاتية للإنسان ؟ 
هل يجوز للآخرين إقتحامها والتلصص عليها وكشف المستور منها ؟ 
أم هي دائرة يحرم تجاوزها بدون إستئذان ؟ 

2️⃣. هل يحق للإنسان أن يواجه الآخر بعيوبه وزلاته وفي أية حالة من الحالات ؟؟

3️⃣. هل يجوز لنا أنْ نتحدث عن الناس في غيابهم بما نعرفه عنهم من نقاط الضعف ؟؟

4️⃣. متى يكون الحديث عن الآخرين عملاً جائزاً شرعاً ؟؟ 
وهل يختلف الحكم فيما لوكان الآخر متصدياً للواقع العام ؟؟
وفي أية حدود ؟؟ 

⏺ أما الجواب عن السؤال الاول : 

فإجمالا أقول : 
إنَّ لكل إنسان حرمة مقدسة في نظر الاسلام ،  فلايجوز لإي شخص أنْ يقتحم حياة غيره الخاصة دون رضاه ويطَّلع على اسرارها دون إذنه ؛ إلا في حالات خاصة تتوقف فيها مصلحة الإسلام أو مصالح المسلمين الكبرى على ذلك . 
يقول سبحانه : 
( يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم ولاتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ) [ الحجرات : ١٢ ] . 

بل نهى الإسلام عن التحقق والتثبت من الظنون التي تَعْلق في ذهن الإنسان حول إنسان آخر .

جاء في الحديث : 
( إذا تطيرت فامضِ ... وإذا حسدت فلاتبغِ وإذا ظننت فلاتحقق ) . 

بل جاء في بعض أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) : 
أنَّ إحصاء زلات المؤمن من أجل تعييره بها بعد ذلك من أقرب الامور الى الكفر . 

◀️ ففي رواية معتبرة السند عن الامام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : 
( إن أقرب مايكون العبد الى الكفر أنْ يواخي الرجلُ الرجلَ على الدين ، فيُحصي عليه عثراته وزلاته ليعّنفه بها يوما ما ) 
[ الكافي ، ج ٢ ، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم ، ح ٣ ] . 

◀️ بل أكثر من ذلك ، يوجد من النصوص مايُحرّم على المؤمن التحدث عن أسراره وزلاته التي تهتك حرمته .
فلايجوز للمؤمن أن يهتك حتى حرمة نفسه .
 ورد في الحديث : ( إذا بُليتم بالمعاصي فاستتروا ) .
فلايوجد في الإسلام كرسي إعتراف ولا صكوك غفران ، إلا إذا كان الإنسان في معرض السؤال عن كيفية إصلاح وعلاج ما كان قد وقع فيه .

[ له تتمة ] 

[ حسن عطوان ] 


حسن عطوان

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top