04:54:06صباحا

اخبار المركز

الأحد، 16 مايو 2021

في ذكرى رحيل السيد الشيرازي.

1⬅ *الفَـقِـيهُ*
2⬅ *الوَلائِـــــيُّ*
3⬅ *المَـوْسُـوعِـيُّ*
4⬅ *المُـــعْــــتَــــدِل*
5⬅ *ذو التَمَيُّز الأخلاقي* 

في الذكرى العشرين لرحيل *الإمام الشيرازي* يعيد مكتب العلّامة المهتدي نشر كلمة لسماحته قد ألقاها في تأبينه الذي أقامتْه حسينيّة أهل البيت (عليهم السلام) في البحرين (المحرّق) سنة 1438 - 2018 مع تغييرات وإضافات. 

*بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ*

آية الله العظمى السيد محمّد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه) لازال بعد 20 عامًا من رحيله المؤلم نجمًا متألّقًا في سماء *الفقاهة* وروح *الولاء* للنبيّ وأهل بيته، وفي *موسوعيّته* الفريدة من نوعها بين المراجع و *اعتداله* العمليّ الحكيم وفي *أخلاقه المتميّزة*.

هذه الصفات الأساسيّة الخمسة في شخصيّته المرجعيّة قد أفشلتْ محاولاتِ الطّمْس ضدّه وفضحتْ سياساتِ التجهيل والتجاهل التي لازال البعضُ يتعاطاها دون ورعٍ وبلا عبرة!! 

نحن ومن أجل المزيد من العمل لإنتاج هذا النّمط المرجعيّ في الأمّة للنهوض بها إلى مستقبل الأمن والمجد والسعادة ندعو إلى تقليد المرجع الذي يحمل هذه الصفات الخمسة كي نُنقِذَ مجتمعاتنا المضطربة بمُضِلّاتِ الفتن الفكريّة والسياسيّة والإجتماعيّة.. وإلا فالمتقمِّصون ثوبَ المرجعية الذين يجاهِرون بالإنقلاب على ثوابت المذهب الحقّ سيزيد عددُهم يومًا بعد يوم ويُشكِّلون كارثةَ المستقبل. 

ولكنّ المجتمعَ الذي يجهل مرجعًا مثلَ الفقيه الشيرازي بما يحمله من *سلامة الاجتهاد الفقهي والعقيدة الولائيّة والموسوعيّة الفكريّة والإعتدال العملي ونُبْل الأخلاق* بل ويتعدّىٰ حدودَ جهلِه بهذا العالم الربّاني إلى حدّ الحقدِ عليه والحربِ على مقلّديه ومحبِّيه لَهُوَ مجتمعٌ يستحقّ المزيّفين والمتسلّقين والمستهترين في اللّعب بعقائد الناس حتى صَدَقَ فيهم المثلُ القائل: إنّ الطيورَ على أمثالِها تَقَعُ!!

أمّا نحن فلا نزال نستوحي من مرجعنا المجدِّد الراحل صفاته التي استلهمها من أجداده المعصومين (عليهم السلام) ولا يهزّنا فيه جهلُ الجاهلين ما دمنا نستهدي بكلام مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام): *{يَا هِشَامُ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ جَوْزَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا جَوْزَةٌ وَ لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ وَ قَالَ النَّاسُ إِنَّهَا جَوْزَةٌ مَا ضَرَّكَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لُؤْلُؤَةٌ}.*

المرجعُ الشيرازي كما رأيتُه وجالستُه وسألتُ عنه وقرأتُ حوله منذ سنة 1976 الميلادية.. هو اللؤلؤة الخالدة.. وقد تجاوز جهلَ كلِّ جاهل وحقدَ كلِّ حاقد وحسدَ كلِّ حاسد.. فكان (طاب ثراه):

🔎 *الفَقِيه*  ⬇

وقد دلّتْ على فقاهتِه كُـتُبُه ومحاضراتُه العلميّة وتدريسُه العلني في الفقه الإستدلالي وعلم الأصول وفي سَبْقِه الآخرين بطرح أحكامٍ لمسائل قبل حدوثها، وفي إحداثه أبوابًا فقهيّةً جديدةً لم تكن في بحوث الفقهاء قبله، وهذا يدركه كلّ منصفٍ عندما يقرأ موسوعتَه في الفقه الإسلامي ذات 160 مجلّد وينظر في بقيّة كُـتُبه الحوزويّة الأخرى.

لذلك فإني أتحدّى كلّ السلبيّين تجاه هذا الفقيه أن يقولوا قد قرأوا كتبَه الفقهيّة والأصوليّة أو جلسوا معه ثم اتخذوا منه موقفهم الجائر!!

لم يقرأوا أبدًا.. فقد اعترف لي مئاتُ الذين التقيتُ بهم على امتداد خمسٍ وأربعين عامًا وفيهم مراجع وأساتذة حوزات.. أنهم سمعوا يقولون وهكذا فكّروا كما سمعوا!!

ومأساة التخلّف تبدأ حينما يشارك في صنعها معمّمون ما أوتوا من العلم إلا قليلًا ومن الورع إلا العدم...

كنتُ البارحة في زيارة لأحد كبار وكلاء المرجع الخوئي (رحمة الله عليه) في البحرين وهو من تلامذته في أواخر الستّين من القرن الميلادي المنصرم.. يقول إني في الثمانينات لما حصلتُ وكالةً من السيد محمد الشيرازي تَهجَّمَ عليّ أحدُ العلماء المعروفين وقال كيف تقبل وكالة فلان وأنت لديك وكالة السيد الخوئي، ثم أخرج لي ورقةً ممهورةً من السيد الخوئي فيه التنقيص من مقام السيد الشيرازي، فأخذتُها وطرتُ في اليوم الثاني إلى النجف الأشرف ودخلتُ على سماحته في داره بالكوفة وأريتُه تلك الورقة!! فقال السيد الخوئي والله إنه مزوَّر. غاية ما أجبتُ حينما سُئلتُ أنه لم يدرس عندي. وقصدي أن يسألوا عنه مستواه الدراسي ممن درس السيّد عنده!! وهذا لا يدلّ على ما أشاعه المغرضون. 
فرجعتُ الى البحرين لأحاجـجَ ذلك العالم فصار يتهرّب منّي ويتحاشا الجلوس معي إلى أن مات وأبقى إرثًا من الفتنة للناس الذين تأثّروا به وتوارثوا منه ومن امثاله الفتنة، عليه وعليهم إثم الذين يتمزّقون ألمًا من هذه الفتنة المتدحرجة التي وضع الحجر الأساس لها السيّد طالب الرفاعي المقيم الآن في أمريكا كما صرّح لي بلسانه بأنه كان وراء تلك الورقة الملعونة في فترة الستّينيات بدافع الانتصار لحزبه المُتصدِّر للحرب على سيّدنا المظلوم والى اليوم!! وقد طلبتُ منه أن يصدر بيانًا ويعلن فيه الحقيقة. وعدني ولكنْ لم أجد له عزمًا! 

هذا.. ويكفي لمن يريد المختصرَ المفيدَ من الدليل على اجتهاد المرجع الشيرازي أن يقرأ كتابَه النوعيَّ الفريد (من فقه الزهراء - سلام الله عليها) في ستّ مجلّدات، وقد أسّس فيه لمبدأ الإستنباط من أحاديث سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء في الوقت الذي اعتاد فقهاؤنا السابقون والمعاصرون أن يستندوا فقط على أحاديث النبيّ والأئمة (عليه وعليهم الصلاة والسلام). وقد فتح الشيرازي بابًا على أحاديثها وجعلها في قائمة المُستنَد الفقهي.. كيف وهي حجّة الله على أولادها الأئمة الطاهرين كما يقول حفيدُها الإمام العسكري (عليه السلام).

كان الشيرازي (رحمه الله) يمتلك ذاكرةً خارقةً قد حفظ بها القرآن وهو ابن السابع من ربيعه، وكان مستحضر العلوم التي يطالع فيها، وكان سريع الإجابة بالبداهة وتضخّ منه المعرفة في مختلف العلوم لكثرة مطالعاته وقوّة ذاكرته. 

ذات مرّة كنتُ جالسًا عن شماله وأمامي "استكانة" شاي، وكان أحد كبار العلماء جالسًا أمامه في جملة الزائرين فقال للسيّد إني متحيّر في مسألة ولم أجد لها جوابًا علميًّا في الكتب يُشبِع قناعتي. فما أن طرح مسألته حتى ابتسم السيّد الشيرازي وقال مازحًا: سأوضّح لك الجواب قبل أن ينتهي الشيخ عبدالعظيم من شربه الشاي!! ثم أجابه ببساطة ودلّه على المصدر ورقم الجزء من الكتاب. فاستغرب ذلك العالم بشدّة.

والأدلّةُ وقصصُها كثيرةٌ هنا لولا أنّي مُلزَمٌ بمساحة المقال، وفي شهادات المجتهدين على اجتهاده وفي كفائتِه الميدانيّة أدلّةٌ وأدلّة. 

☀  *الوَلائِيّ*  ⬇

وقد دلّتْ على ذلك كُـتُبُه في أهل البيت (عليهم السلام) ومحاضراتُه ومؤسّساتُه وتسميتُه لها بأسماء الأئمة الأطهار وأبنائهم وبناتهم. كما ودلّتْ على ولائيّتِه دعواتُه إلى إنشاء قنواتٍ فضائيّة لنشر معالم مذهب آل محمد قبل أن يفكّر الشيعة في هذا المجال الإعلامي، وهو لم يطلق إسمه على أيٍّ من آلاف المساجد والحسينيّات والحوزات والقنوات الفضائيّة ومراكز الأبحاث العلميّة والسياسيّة والمشاريع الخيريّة التي أسّسها في العالم. وكذلك مواقفُه المعروفة حول الشعائر الحسينيّة ذات الروح الهادفة. أذكر ربما آخر عاشوراء قبل وفاته كنتُ جالسًا عنده في مجلس النعي الحسيني ببيتِه وعضدي الأيسر لاصق بعضده الأيمن لاكتضاض الجالسين، فلمّا بدأ الخطيب يذكر مصيبة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) انفجر السيّد الشيرازي بالبكاء حتى شعرتُ يهتزّ جسمي من اهتزاز جسمه (عليه الرحمة والرضوان).

📖  *المَوْسُوعِيّ*  ⬇

وقد دلّتْ عليه ألفٌ ومائتا كتابٍ وكتيّبٍ صدرتْ له في شتّى العلوم الإسلاميّة، بدءً من العقائدِ والفقهِ والأصولِ والتفسيرِ والتاريخ، ومرورًا بالطبِّ الاسلامي والسياسة والإقتصاد والإدارة والحقوق والإعلام والمرور والبيئة، وانتهاءً بالأسرة والأخلاق والدعاء والقصص والقضايا الإجتماعيّة وما أشبه، حتى لقّبتْه جمعيةُ كُـتّاب العرب العالمية بـ (سلطان المؤلِّفين)، وقيل أنّ موسوعة (غينيس) أدخلتْه في عِداد الأكثر تأليفًا في العالم العربي.

وعلى المستوى العالمي صُنِّف (رحمه الله) في الدرجة السادسة حسب الترتيب التالي:

*۱-* «کورین تلادو» كاتب اسباني لديه 4 آلاف كتيّب صغير.
*۲-* «رولف کالموزاک» كاتب ألماني طُبِعَ له 2900 کتابًا في حياته و 100 كتابًا بعد وفاته.
*۳-* «لوپ دو وگا» كاتب وشاعر اسباني صدر له 2200 کتابًا.
*٤-* «نیکلا یورگا» كاتب روماني طُبِعَ له 1359 كتيّبًا.
*٥-* «چارلز همیلتون» كاتب إنجليزي في حقل التراجم صدرت له 1200 ترجمة.

*٦-* *«السید محمد الحسیني الشیرازي» صاحب 1150 كتاب وكتيّب*.

*۷-* «پرنتیس اینگراهام» كاتب إمريكي صدر له 1000 كتاب.
*۸-* «جیکوب نازنر» كاتب إمريكي صاحب 950 كتاب.
*۹-* «لارن پین» كاتب إنجليزي صدر له 900 كتاب.
*١٠-* «کتلین لیندزي» كاتب إنجليزي صدر له 900 كتاب.
*۱۱-* «باربارا کارتلند» كاتب إنجليزي كَتَبَ في التراجم 722 كتابًا.
*۱۲-* «کارول اوتس» كاتب إمريكي صدر له 506 كتابًا.
*۱۳-* «نورا رابرتز» له 200 كتاب.

هذا مع فارقٍ كبير بينهم وبينه (قُدِّس سرُّه) ، إذ لا يُقاس بين ما كتبه هؤلاء في الشعر والرواية والأدب والقصص والتاريخ على وجه التخصّص، وحجم كلّ كتاب لهم لا يتجاوز صفحات كثيرة وبين ما كتبه فقيدنا الراحل الذي يبلغ واحدٌ من مؤلفاته فقط (160) مجلّدًا وهو موسوعته الفقهيّة التي لم يكتب مثلها أحد. هذا ما عدا صعوبة المادّة العلميّة التي تناولها في كلّ كتاب من مؤلفاته، وما عدا تنوّع العلوم وتشعّباتها العميقة التي سطّرها حتى آلمتْ أصابعُه وعَطَبَ بعضُها وأخذ يكتب بأصابع أخرى وعطبتْ، ثم أخذ يسجّل صوته ويعطي الشريط لبعض مقرّبيه فيكتبه على ورق ويُطبَع. 

ذات مرّة كنتُ جالسًا مع المرجع الديني السيد صادق الروحاني (دام ظله) فدار حديثنا حول سماحة المرجع الشيرازي الراحل، تحدّثتُ معه عن جوانب من شخصيّته العلميّة والأخلاقيّة حتى وصلتُ إلى الحديث عن هذه الموسوعة، فانبهر السيّد الروحاني من ذلك وترحّم على السيد الشيرازي وشكرني على المعلومات التي بيّنتُها له وقال لم أكن أعلم بها.

ومثله كثيرون كانوا يقولون لي أنهم لم يعرفوا عن السيّد الشيرازي شيئًا كهذا. وهناك من يصرّ على عناده أيضًا، ففي سنة 1982 في مدينة قم المقدّسة جلستُ مع أحد العلماء الشباب وكان يدّعي الاجتهاد فعيّرني تأييدي للمرجع الشيرازي وكان ممن يحرّض الطلبةَ والناسَ ضدّه!! 
قلتُ له أنت تدّعي لنفسك الاجتهاد ولمسألةٍ فقهيّةٍ كحيض النساء تقوم وتجلس بين هذه الكتب -وأشرتُ إلى مكتبته الضخمة- كي تعرف حكم تلك المسألة الذي لا يتجاوز رأي بقيّة المجتهدين ثم لا أثر لاجتهادك فيها، ولكنّك لمسألةٍ كمعرفة شخصيّةٍ مثل الشيرازي لا تتعنّ الذهاب اليه والمسافة ربع ساعة بالسيارة لتجلس معه وتكتشفه مباشرةً ثم تتكلّم سلبًا أو إيجابًا وأنت تعرفه.. أليس هذا أهمّ من ساعات تصرفها في بحثك حول مسائل لا أثر لها في الحياة؟! 

وفي سنة 1993 دعوتُ أحد كبار العلماء إلى شقتي في مدينة مشهد المقدّسة وهو اليوم رمز كبير للمعارضة السياسيّة في بلده فطرح رأيه حول السيّد الشيرازي قائلًا إنه من دعاة الحكم الديمقراطيّ!! قلتُ له هل قرأتَ ذلك في كتبه؟ قال وكأنّ لديه كتاب بعنوان "الى حكومة ديمقراطيّة"!! قلتُ إن كتابه "إلى حكومة الإسلام".. ولماذا لا تقرأ عنه؟ فابتسم وغيّر الموضوع. فقلتُ في نفسي صدقتَ يا أمير المؤمنين (عليه السلام): *{النّاسُ أعْدَاءُ مَا جَهَلُوا}* والآن هو هذا الرّمز يدعو الى الحكم الديمقراطي ويحتجّ في خطابه بمنظمات حقوق الإنسان الغربيّة!! 

له كتاب بعنوان "الغرب يتغيّر" يتنبأ فيه للتغييرات التي نشاهد اليوم إرهاصاتها. 

كان (رحمه الله) يستشرف الأحداث القادمة ويطرح حلولًا لها.. قال لي في سنة 1996 أنّ دولة قطر ستكون لها طفرة ماليّة عملاقة بسبب الغاز.. وهكذا كان. وذلك قبل الاعلان عن اكتشاف حقول الغاز فيها بهذا الحجم الواسع. 

كان يقرأ كثيرًا وكان يكتب كثيرًا.. حتى ذكر لي سماحة السيد هادي المدرّسي أنه دخل على خاله المرجع الشيرازي في حجرته الصغيرة المتهالكة بالزّهد، فسألتُه عن آخر تأليفاته؟ فأشار إلى شدّة أوراق كانت بجانبه وقال: هذا الكتيّب!! فلمّا تصفّحتُه وجدتُه 600 صفحة!!

🌹 *المُعْتَدِل*  ⬇

وقد دلّتْ عليه سيرتُه ضد التطرّف وما كان عليه من روح الوئام والسّماحة والعفو واللّاعنف والدعوة إلى المصالحات وإلى الشورى حيث يعني القبول بالآخر.
فمواقفُه السديدة وقصصُه المعروفة كلّها مما أنتجه اعتدالُه الفكري وتعادلُه النفسي والسلوكي.

يقول (أعلى الله درجاته) في كتاب (فقه الرأي العام) ص 298: "إنّ هناك فرقًا بين قوّة الرأي وبين التطرّف، فقوّة الرأي تلتقي مع الإعتدال، بينما التطرّف يخالف الإعتدال".

كان سموحًا عَفُوًّا داعيًا إلى التآلف بين الشيعة والتعايش مع غير الشيعة.. كان يتعمّد زيارةَ كلّ شخصٍ يسمع أنّه ضدّه.. لِيعلّمَ الشيعة أنّ الخلافَ الفكري ليس سببًا لتسقيط الآخر وتشويه سمعتِه وأنّ في التزاور تذوب الحواجز النفسيّة ويتعارف الطرفان. زرتُه برفقة أحد محبّيه كان قادمًا من البحرين في الثمانينات، سأله السيّد: هل تصلّي جماعة في بلدك؟ أجابه الزائر أنّ بالقرب من منزله مسجد ولكنّه لا يصلّي خلف إمام الجماعة فيه. سأله السيّد: ولماذا؟ قال أنّه غير عادل لأنّه يتكلّم ضدّك سيّدنا! فابتسم السيّد وقال هو مخطأ في معلوماته عنّي وأنا عفوتُ عنه، فبناءً عليه لا تسقط عدالتُه إنْ لم تكن لديه أمورٌ أخرى مخالفة للشرع. فاذهب وصلِّ خلفه. 

مثل هذه المواقف الحكيمة ولديه بالآلاف وأكثر إنما تدلّ على سمة الإعتدال في نفسيّته وشخصيّته ونَبْذِه للتطرّف والتصادُم مع المخالفين له فكيف بغيرهم الأقلّ خلافًا. ولذلك قال في كتابه (فقه الاجتماع ج1 ص255): "المنحرف غالباً ليس إلا ضحيّة الاجتماع ، فيجب النظر إليه بنظر العطف والشفقة لا بنظر الغضب والإزدراء ..".

وهذا كان منهجه على صعيد الوحدة مع أهل السنّة.. فلم يكن يثير فيهم ردّة فعلٍ ضدّ الشيعة لا بلعن رموزهم ولا بألفاظٍ سوقيّةٍ بذيئة كما يفعله شرذمةُ الجهلة اليوم المختبئون وراء صوره أحيانًا!!
لذلك كانت من مبادئه التي كتب عنها كثيرًا الدعوةُ إلى الأخوّة ونشرُ ثقافة الوحدة بين أبناء الأمّة الواحدة. 

🕯 *تَمَيُّزه الأخلاقي*  ⬇

وهذا مما شهد به مخالفوه ويكادوا على اتفاقٍ بينهم إذ لم يجدوا عليه ثغرةً في أخلاقه قَدْر أنمُلة وإلا لكانوا يستغلّونها كعادتهم. 

فهو (أعلى الله مقامه) كان نسخةً مصغَّرةً من أجداده النبيّ الأكرم وأئمة أهل البيت (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) في سيرتهم الأخلاقيّة العظيمة ولاسيّما في آداب الكلام والتزاور والترحيب، وأمّا في حِلْمِه فقد كان يغلب به كلّ باطل ينال من نزاهته.

لقد التقيتُ بالخطيب الشهير سماحة الشيخ أحمد الوائلي قبل وفاته ببضع سنوات وكان أحد ضحايا الفكر التسقيطي ضدّ المرجع الشيرازي فقال لي أنه غيّر رأيه فيه، ثم أثنى على ما له ولأسرتِه من أخلاقٍ نبيلة. كان ذلك في لقائي به وهو يقرأ عشر مجالس في ديوانيّة الإمام الشيرازي بدولة الكويت. 

حقًّا.. فإنّ أخلاق المرجع الشيرازي مما أدهش الكثيرين وكانت السبب الأساس في هداية كثيرين أيضًا سواءً إلى الإسلام والتشيّع أو إلى حقيقة هذا الفقيه المظلوم. 

📝  *وأمّا رسالتنا اليوم*  ⬇

فيا أيّها الإخوة والأخوات، إنّنا في الذكرى التأبينيّة العشرين على رحيل هذا المرجع العظيم يجب أن نحمل رسالتنا بالطريقة التي حملها فقيدُنا السعيد.

فهنا من منطلق المسؤوليّة والوفاء حيث قال مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام): *{اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ}* فإنّي ألفتُ الانتباه إلى مجموعة أمور:

*1/* جَعْلُ هذا المرجع بصفاته العظيمة قدوةً في إنتاج النّمط المرجعيّ الذي يجب استنساخُه في جيلِنا والأجيال القادمة.
*2/* تحذيرُ الشيعة من اتخاذ المشبوهين في ولائهم لأهل البيت مراجعَ لهم في التقليد، وإنّما ببيان صفاتهم ودحض أفكارهم بلا سبٍّ وفحشٍ وذِكْرِ أسمائهم إلا مَن استهتر في ضلاله.
*3/* العملُ لتصحيح الأذهان التي حملتْ سمومًا ضدّ هذا المرجع المظلوم، فلا يزال هناك معذورون لم تَصِلْهم الحقائق التي دوّنتُ قطراتٍ منها في هذه السطور. 
*4/* ترويج المفاهيم التي كتبها المرجع الشيرازي ونشرها بكلّ اللغات في العالم. وهنا نؤكّد على قنواتنا الفضائيّة أن تخرج من لطميّاتها المتكرّرة إلى رحاب الفكر الشيرازي الشموليّ الأصيل. 
*5/* عدمُ السّماح للتطرّف البذائي أن يصادرَ إسمَ هذا المرجع المعتدل لتشويه صورتِه وتمزيق الشيعة واستعداء السنّة لخدمة المشروع الإستعماري الكبير في بلاد المسلمين.

 العلّامة عبد العظيم المهتدي
2/شوّال/1442
2021/5/15


في ذكرى رحيل السيد الشيرازي.

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top