الشيخ حسن عطوان
يطرح البعض سؤالاً ، مفاده :
أنّه إذا كنتم تقولون :
أنّه لابد لكل معلول من علة ،
ولابد لكل مخلوق من خالق ،
فمن خَلَقَ الله اذن ؟؟!
والغريب أنَّ واحداً من أهم فلاسفة الغرب طرح هذا السؤال ايضاً ، مما يكشف عن هوىً أو سذاجة .
فالفيلسوف البريطاني ( برتراند راسـل ) فـي كـتابه ( لـِمَ لـمْ أكـن مسيحياً ؟ ) يقول :
" كنت اعتقد بالله في شبابي ، وكنت أعتقد ببرهان علة العلل كأفضل دليل عليه ، وهو أنَّ كل ما نراه في الوجود ذو علة معينة ،
ولو تتبعنا سلسلة العلل لانتهت بالعلة الأولى ، وهي ما : نسميه بالله .
لكنني تراجعت عن هذه العقيدة بالمرة فيما بعد ، لأنني فكرت بأنه لو كان لكل شيء علة وخالق ، لوجب أن يكون لله علة وخالق أيضاً " .
وهذا السؤال غلط جزماً .
إذ هو مبني على توهم أنّنا نقول :
" أنَّ لكل شئ لابد من علة "
والحال أننا لانقول بذلك بل نقول :
" أنَّ كل شيء ممكن الوجود لابد له من علة توجده " .
أمّا واجب الوجود الذي هو موجود منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد ، فوجوده أزلي لا يحتاج إلى خالق ، لكي نسأل عمّن خلقه ، فهو قائم بذاته ولم يكن معدوماً من قبل لكي يحتاج الى علة توجده .
وبعبارة : واجب الوجود ، لا يحتاج في وجوده إلى غيره .
أمّا ممكن الوجود فهو الذي يفتقر في وجوده إلى غيره .
وجميع الكائنات ممكنة الوجود ،
ولا يصدق مفهوم واجب الوجود إلا على الله سبحانه .
والبرهان على ذلك : أنَّ القول بأنَّ واجب الوجود ايضاً يحتاج الى علة ، يلزم منه التسلسل وهو مستحيل عقلاً .
توضيح ذلك :
إنَّ الموجود لا يخرج عقلاً عن حالين :
ممكن الوجود وواجب الوجود .
ويستحيل أنْ تكون جميع الموجودات ممكنة الوجود ؛
لأن الممكن يحتاج في وجوده إلى علة ؛ وتلك العلة إما ممكنة الوجود أو واجبة ، فلو كانت ممكنة فهي تحتاج إلى علة ، وهكذا يتسلسل الأمر ولا يتحقق موجود أبداً .
فيجب عقلاً أن يكون هناك موجود لا يحتاج في وجوده إلى غيره ، وهو واجب الوجود ، وهو علة العلل .
ولمزيد من التوضيح نقول :
لو وُجد أشخاص ، قال الأول منهم أنّه لايتكلم إلّا أنْ يتكلم الثاني ،
وقال الثاني ايضاً أنّه لايتكلم إلّا أنْ يتكلم الثالث ،
وهكذا قال الثالث : أنّه لايتكلم ألّا أنْ يتكلم الرابع .. وهكذا .
فاذا استمروا هكذا فهل سيتكلم أحد ؟؟
بالتأكيد أنّه لن يتكلم أحد .
إلّا أنْ تصل السلسلة الى شخص يقول سأتكلم دون أنْ يشترط تكلم غيره .
وهكذا في المخلوقات ، المخلوق ( أ ) لايوجد إلّا أنْ يوجده المخلوق ( ب ) ، والمخلوق ( ب ) لايوجد إلّا أنْ يوجده المخلوق ( ج ) ، وهكذا .
فاذا استمرت السلسلة فهل سيوجد مخلوق في هذا الكون ؟؟ بالتأكيد لا .
والحال أنّنا نرى وجود مخلوقات ، فهذا يعني أنَّ السلسلة توقفت عند وجودٍ لايحتاج أنْ يخلقه خالق ، بل هو الخالق لكل شئ .
وهو الذي تنتهي عنده سلسلة العلل .
وهو الله عزَّ وجل .
ثم إنّنا نسأل أصحاب هذا السؤال :
أنّه لو كان لله خالق ، فسيرد نفس هـذا الإشكـال مـع الخـالق المفترض ،
وهو أنّه مَن خلق ذلك الخالق ؟!
ولو تكرر نفس السؤال وافترضنا أنَّ لكل خالق خالقاً لأدى ذلك الى التسلسل الذي بيّنا بطلانه آنفاً ، حيث أنّه يعني ألا يوجد مخلوق أبداً .
ثم : نقول للذين يطرحون هذا السؤال ليتهربوا من التسليم والإيمان بأنّّ الله سبحانه خالق هذا الوجود ، نقول لهم :
أنّكم تقعون ايضاً فيما تهربون منه !
اذ لو قلتم بأنَّ هذا الكون معلول للمادة كما هو غرضكم من السؤال ، فيأتي نفس السؤال أنّه ماهي العلة التي أوجدت المادة ؟؟
ستضطرون للقول بأنَّ المادة أزلية لاتحتاج الى علة ، وأنّها واجبة الوجود !!
وحينها ستقعون في نفس ماهربتم منه !!
وبهذا يتبين : أنَّ جميع فلاسفة العالم الإلهيين منهم والماديين يؤمنون بوجود أزلي واحد ، وجود لا يحتاج إلى خالق وموجد ، بل هو موجود منذ الأزل .
والفرق بين الإلهيين والماديين : أنَّ الماديين يعتقدون بأنَّ العلة الأولى لاتتصف بالعلم ولا بالشعور ولا بالحكمة .
وحينئذ نوجّه لهم السؤال :
كيف لمادةٍ لاتتصف بالحكمة ولا العلم تخلق هذا الكون والإنسان بهذا النظم البديع ؟!
بل كل جزءٍ فيهما ينبئك عن حكمة خالقه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق