04:54:06صباحا

اخبار المركز

الأحد، 4 أبريل 2021

عناصر الفهم الحضاري للقرآن.

في ذكرى استشهاده (٢)
عناصر الفهم الحضاري للقران
محمد عبد الجبار الشبوط


توصلت في الحلقة السابقة الى الاستنتاج بان محمد باقر الصدر يتبنى منهجية  في فهم القران اطلقتُ عليها اسم "الفهم الحضاري للقران"، وكان العنصر الاول في عناصر هذه المنهجية هي الحداثة وهي تعني تعني توظيف ثقافة العصر في فهم القران، او فهم القران من خلال ثقافة العصر. قال الصدر: ان  المفسر "وظيفته دائما وفي كل مرحلة وفي كل عصر ان يحمل كل تراث البشرية  الذي عاشه يحمل افكار عصره ويحمل المقولات التي تعلمها في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القران" لتكون "نتائج" هذا التفسير "مرتبطة دائما بتيار التجربة البشرية". وهذا يتطلب الانفتاح على ثقافة العصر، حيث ان لكل عصر حداثته، فضلا عن ثقافات العصور الاخرى مما يشكل حصيلة التجربة الحضارية المتراكمة للبشرية. وقد وجدت مثل هذا الكلام في كتاب "فصل المقال" لفيلسوف قرطبة الاندلسي الاوروبي المسلم ابن رشد  ( ١١٢٦-١١٩٨)، حيث يقول:"وان يستعين   في ذلك المتأخرُ بالمتقدم، حتى تكمل المعرفة به".
وتدل كتابات الصدر الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن الفقهية والاصولية، عن ثقافة واسعة ومتنوعة واطلاع مستمر على المنتج الفكري المعاصر، وذلك نتيجة القراءة المكثفة التي عُرف عنها وبها الصدر. واذكر انني كنت والشهيد عبد السادة عبد الله، في حضرته ذات ليلة في بيته المتواضع في النجف الاشرف، وقد طرحنا عليه بعض الاسئلة، ثم استاذنته بطرح سؤال اخير، لكنه اعتذر قائلا:"لقد حان موعد المطالعة"، مما يكشف عن حرص كبير على مواصلة القراءة والمطالعة في اوقاتها المحددة. ويكفي ان نقرأ كتب الصدر لنلمس كم كان وفيا لمبدأ الحداثة في كتاباته، لغة واسلوبا ومنهجها ومضمونا، حتى في رسالته العملية "الفتاوى الواضحة" التي كتبها بطريقة حديثة مغايرة للاسلوب التقليدي القديم الذي درج عليه الفقهاء من قبلك. 
والحق، ان المفكر لا يمكن ان يكون نهضويا دون ان يكون حداثويا، ذلك ان النهضة تعني الركوب في قطار الحضارة الذي مازال يواصل التقدم على مختلف الاصعدة منذ وجدت البشرية الى اليوم. نعم يحصل ان مجتمعا ما يسقط من القطار و "يتخلف" عن ركب الحضارة، كما حصل للمجتمع الاسلامي، فيأتي روّاد النهضة والحضارة من اجل اعادة مجتمعهم الى القطار الذي لا ينتظر احدا. وهذا ما كان الصدر يسعى الى القيام به من خلال ما اطلق عليه عبارة "زرع بذور الحضارة في المجتمع المتخلف"
العنصر الثاني في منهجية الفهم الحضاري للقران هو مكونات المجتمع البشري. وقد  استطاع الصدر تحليل العناصر الاولية لتكوين المجتمع استنادا الى اية الاستخلاف في سورة البقرة، وهي:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" حيث فهم منها ان المجتمع البشري يتألف من ثلاثة عناصر هي: الانسان، والارض، والعلاقة المعنوية بين الانسان واخيه الانسان، وبين الانسان والطبيعة. ثم حلل العلاقة فوجد ان هناك صيغتين لهذه العلاقة وهما: الصيغة الثلاثية (الانسان+الانسان+الطبيعة)، والصيغة الرباعية (الانسان+الانسان+الطبيعة+الله). ولكننا سوف نواجه مشكلة في الصيغة الرباعية، وهي مشكلة وجود الله في العلاقة. فالله ليس شخصا (كالانسان)  او موجودا ماديا (كالارض) لكي يكون طرفا بنفسه في العلاقة الرباعية. وقد حل الصدر هذه المشكلة حين اوضح ان طرفية الله في العلاقة الرباعية انما تتحقق من خلال علاقة "الاستخلاف" التي تتحدث عنها الاية. وكلمة الاستخلاف هي تكثيف لغوي مركز لما يمكن ان نطلق عليه اسم "منظومة القيم العليا" الحاكمة على عناصر المجتمع الثلاثة المذكورة. وهذه القيم  ضرورة للنهوض بالمجتمع، وبناء الحضارة، وهي منتزعة من صفات الله، كالعدل والحق والرحمة والعلم والتسامح وغيرها. وقد راجعت العديد من تفاسير القران القديمة والحديثة ولم اجد من سبق الصدر الى هذا الفهم. وقد تحدثت عن مسألة الاستخلاف في مقالات سابقة فلا اعيد.
يتبع
عناصر الفهم الحضاري للقرآن.

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top