04:54:06صباحا

اخبار المركز

الخميس، 8 أبريل 2021

في ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر قدس.

حسن عطوان. 




[ من كلمة قبل سنوات في درس الفقه في محضر الذكرى ] 

🖋 في التاسع من نيسان عام ثمانين ميلادية من القرن الماضي توقف عقلٌ فذّ ..
 وقلبٌ مشبع بالسماحة والشفقة والعاطفة والعطاء .. 
توقف عقلُ وقلبُ باقر الصدر رحمه الله ..
عقلٌ فذ ، استطاع بتأمله أنْ يحل مشاكل فكرية مهمة ..
منها على سبيل المثال : 
مشكلة واجهت الفلسفة الإنسانية برمتها ..
هذا العقل الجبار استطاع أنْ يحل هذه المشكلة التي عبّر عنها كثير من الفلاسفة بأنها فضيحة الفلسفة . 

تعرفون أنَّ المنطق الأرسطي فيه طريقة بحثٍ اسمها الإستقراء ، ورتب نتائج كلية على الإستقراء . 
والإستقراء قد يكون تاماً فلا بأس بترتب النتائج الكلية عليه .

 لكن المشكلة في مالو كان الإستقراء ناقصاً ، فكيف ينتج نتيجة كلية ؟؟
والمثال المدرسي لذلك هو أننا عندما نقول أنَّ الحديد يتمدد بالحرارة ، فهذه نتيجة كلية .
فكيف أُستنتجت هذه النتيجة الكلية مع أننا لم نستقرأ و لم نجرب إلا عدداً محدوداً من قطع الحديد ؟؟ 
بعد شيوع المذهب التجريبي أُثيرت هذه المشكلة . 
وعُبّر عنها بانها إشكالية مهمة على المنطق الارسطي .

السيد باقر الصدر ( رحمة الله عليه ) هو الفيلسوف الوحيد الذي أجاب عن هذه الإشكالية . 

أجاب بما حاصله ، بإيجازٍ يقتضيه المقام :
 
بأنَّنا عندما نضرب نسب الإحتمال المخالف لليقين ببعضها ، تتضائل النسبة تدريجياً الى أنْ تصل الى نسبة إحتمال ضئيلة جداً ، لايحتفظ بها العقل البشري لأنّه قد صُمم على عدم الإحتفاظ بنسب الإحتمال الضئيلة جداً .
هذه العملية العقلية أصطلح عليها بالتوالد الموضوعي الذي يصل الى التوالد الذاتي .
فنسبة احتمال الخطأ في القضية الكلية المستفادة من تمدد الحديدة ( أ ) تضرب في نسبة إحتمال الخطأ في القضية الكلية  المستفادة من تمدد الحديدة ( ب ) ، وهكذا كلما ازداد العدد تتضاءل نسبة احتمال الخطأ ، حتى تصل الى نسبة احتمال ضئيلة جداً لايحتفظ بها العقل البشري ..
فنصل الى اليقين مع كون الإستقراء ليس تاماً .

وبالتالي حُلِّت مشكلة كيفية حصول اليقين من الإستقراء الناقص على يد فقيه إسلامي .

في مثل هذه الأيام توقف هذا العقل الجبار ..
والوجود المعطاء الذي كرّس عمره كله لخدمة الإسلام . 
هو ( رحمه الله ) لديه تعبير : "  منذ وعيت وجودي " . 
وفي هذا التعبير درس لنا ..
 اننا يفترض أنْ نعي وجودنا في الحياة . 
فهذه الحياة صُممت بمشيئة الله الذي اراد أنْ يكون الإنسان فيها مختاراً ..
صُممت أنَّ فيها صراعاً .. 
صراع بين الخير والشر .. 
بين الحق والباطل ..
بين الاريحية و الدناءة .
هذا الصراع لايمكن أنْ يتعايش فيه مَن هو مثل الحسين بن علي ( عليه افضل الصلاة والسلام ) مع مَن هو مثل يزيد بن معاوية ( لعنة الله عليه ) ..
مَن هو مثل باقر الصدر مع مَن هو مثل صدام .
والدنيا في تداول وصراع مستمر ..
 لا يتعايش فيها الإيمان مع الطغيان ..
ولايمكن أنْ يساير فيها المؤمن الطاغية ، 
فحتى لو كانت الظروف تستدعي أحياناً السكوت ، لكنه سكوت مؤقت وليس مساومة على طول الخط .

في حياة العظماء ..
ومنهم باقر الصدر درس ..

مفاده .. 
أنَّ لا مساومة مع الطغيان والجبروت ..
 ولا مهادنة بين الخير والشر . 

قد تهدأ المعركة أحياناً بحسب الظروف .. 
قد تتغير التفاصيل والآليات والوسائل ..
لكن في النتيجة يفترض دائماً أنْ نكون على إستعداد لصراع مرير .. 
لأنك إنْ لم تكن مستعداً فإنَّ الآخر هو الذي يريد أن يقصيك من الساحة ..
فإن لم تواجه فأنت مقصى ..
وإنْ واجهته ستوفق للإنتصار لأنّ الله سبحانه معك ..
 فإنْ لم توفق لاسمح الله لظروف خارجة عن إرادتك .. 
وخسرت المعركة فهي ليست نهاية المطاف .
 
فأنت لبنة من لبنات هذا الصراع ..
أنت جزء من مسيرة .. 
مسيرة التوحيد على طول التاريخ ..

خسارة المعركة الآنية لا تعني شيئا ، 
اذ المهم هو المعركة الحضارية على طول مسيرة الموحدين .
خسارة موحد مؤمن او حتى جيل موحدين لمعركة ليست نهاية المطاف . 

فأصحاب المبادئ الحقة قد يخسرون المعركة في الميدان ولكنهم مع ذلك لايُعَدّون منهزمين في مقاييس التفكير الحضاري .. 
لأنك قد تخسر المعركة الميدانية ،
ولكنك لاتعد خاسراً مادمت لم تخسر المبادئ التي قاتلت لأجلها .

 السيد محمد باقر الصدر كان يعلم بحسب طبيعة الظروف أنه سوف يخسر حياته .. 
وستُظلم عائلته ..
وستكون بعده أنباء وهنبثة !!
ولم يكن ذلك ليمنعه من التضحية الجسيمة ..
المهم أنَّ حلم الأنبياء بدولة كريمة يتحقق ..

المؤسف والخسارة الأهم هو تنازلنا اليوم عن هذا الحلم ..
هذا التنازل هو الخسارة الأهم من بين كل القرابين التي ضاعت هباء ..
كل القرابين التي قدمناها كانت لأجل إقامة دولة العدل .. 

ونحن اذ نتنازل اليوم عن ذلك ونتناساه ولانشيع الأمل به حتى على مستوى التذكير والتثقيف ..
فتلك هي الخسارة الأعظم .  

 باقر الصدر في علييّن..
انما نحن في مفترق طرق ..
وفي مخاض صعب 
وأختبار أصعب بين أنْ نكون او لانكون !

عظم الله أجوركم .
في ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر قدس.

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top