الشيخ حسن عطوان
أدُّعيَ وجود أخطاء نحوية في القرآن الكريم في موارد متعددة .
وسأتوقف عند بعض هذه الموارد ، والجواب عنها .
من هذه الموارد :
1️⃣ يقول عزَّ مَن قائل : ( لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ) [ النساء : 162 ]
◀️ الدعوى : إنَّ لفظة ( المقيمين الصلاة ) جاءت منصوبة وحقها الرفع ، كما قال بعدها ( والمؤتون الزكاة ) .
فالصحيح أنْ يقول القرآن : " والمقيمون الصلاة " ؛ لأنها جاءت عطفاً على ( الراسخون ، المؤمنون ) ، وعُطِفَ عليها ( المؤتون ) .
🖋 الجواب :
إنَّ ( المقيمين ) نُصبتْ لأنها مفعول به ، بتقدير : أخص أو أمدح المقيمين الصلاة .
وهذا يُسمى القطع ، وهو لبيان أهمية المقطوع .
ففي هذه الآية الكريمة كلمة ( المُقِيْمِيْن ) مقطوعة .
وكأنَّ القرآن الكريم أراد أنْ يسلّط الضوء على أهمية وفضل الصلاة ، وعلى مدح المقيمين لها .
2️⃣ يقول عزَّ وجلّ : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) [ البقرة : 177 ] .
◀️ أشكلوا على هذه الآية الكريمة بإشكالين :
أحدهما نحوي ، والآخر بلاغي .
أما الإشكال النحوي : فهو أنَّ لفظة ( الصّابرين ) جاءت منصوبة ،
وكان حقها الرفع ؛ لأنها معطوفة على ( الموفون ) .
فالصحيح أنْ يقول : " والصابرون " .
وأما الإشكال البلاغي : فهو أنّ القرآن كان يجب أنْ يقول :
" ولكن البر ان تؤمنوا بالله " ؛ لانَّ البر هو الايمان لا المؤمن .
🖋 الجواب :
أما الإشكال الأول فجوابه : أنَّ لفظة الصابرين نصبت على المدح ،
والتقدير : وأخص وأمدح الصابرين .
فالعرب تنصب على المدح وعلى الذم ،
كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح أو المذموم .
وتغاير إسلوب الكلام بالنصب بعد الرفع رغم العطف ؛ للفت انتباه السامع .
وأما الإشكال الثاني فجوابه :
أنَّ هنا حذف وتقدير .
والتقدير : " ولكنَّ البرَ بِرُ مَنْ آمن "
فحذف المضاف .
ويجوز أن يُحذَف ما عُلم من مضاف أو مضاف إليه ، فإنْ كان المحذوف المضاف ، فالغالب أنْ يخلفه في إعرابه المضاف إليه .
3️⃣ يقول تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ ) [ المائدة : 69 ]
◀️ الدعوى : نَّ لفظة ( الصابئون ) وردت مرفوعة ، وحقها النصب حيث أنها معطوفة على إسم ( إنَّ ) ، وإسم ( إنَّ ) يجب أنْ يكون منصوباً .
🖋 والجواب :
إنَّ إسم ( إنَّ ) هو ( الذين آمنوا ) .
و ( إنَّ ) تفيد التوكيد ، فالذين آمنوا هم الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون .
أمّا الذين هادوا والصابئون والنصارى فهم كذلك ولكنهم غير مشمولين بالتوكيد .
ف ( الذين هادوا والصابئون والنصارى ) ، هذه الألفاظ ليست معطوفة على إسم ( إنَّ ) ، للدلالة على أنها غير مشمولة للتوكيد بـ ( إنَّ ) .
لذلك تعَمَّد القرآن رفعها .
وتُعْرَب عبارة (الذين هادوا ) على أنّها مبتدأ على نية التأخير ، ومابعدها معطوف عليها ، وخبرها محذوف .
والتقدير ( والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك ) لاخوفٌ عليهم ، ولكن بدون توكيد .
4️⃣ يقول سبحانه : ( قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما ) [ طه : 63 ]
◀️ الدعوى : الصحيح أنْ يقول : " إنْ هذين لساحران " ، ف ( إنَ ) عندما تدخل على المبتدأ والخبر تنصب الأول وترفع الثاني ،
والحال أنَّ القرآن رفع اسمها هنا !
🖋 والجواب :
( إنْ )مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف .
( هذان ) مبتدأ في محلّ رفع .
( اللام ) لام الابتداء .
( ساحران ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما .
5️⃣ يقول تعالى : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ]
◀️ الدعوى : في هذه الاية نصب الفاعل ( الظالمين ) .
وكان يفترض أنْ يقول : " الظالمون " .
🖋 الجواب :
الفاعل ليس ( الظالمين ) ، بل هو لفظة ( عهد ) فهي فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره ، وهو مضاف .
و الياء : ضمير متصل مبني على السكون ، في محل جر مضاف إليه .
والظالمين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم .
فالعهد هو الذي لا ينال الظالمين ، وهو صادر عن الله جل جلاله .
أي : لاينال عهدُ الله الظالمين .
على أنّه توجد وجوه إعرابية أخرى لبعض هذه الآيات ، لكني أكتفيت هنا بأوضحها وأوجهها .
هذه أهم إشكالاتهم ..
وعليها يُقاس غيرها .
لاتنسوني بدعائكم
0 التعليقات:
إرسال تعليق