04:54:06صباحا

اخبار المركز

السبت، 1 مايو 2021

نظرية التعددية الدينية. الحلقة الاولى

الشيخ حسن عطوان 


يقول سبحانه في كتابه الكريم : 

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصاری‌ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [ البقرة : 62 ]

🖋 شاع في العصر الحديث تداول : 
مصطلح ( التعددية الدينية ) ، ( البلورالية ) .
وجذور الفكرة قديمة .
ولعل أهم مَن نَظّر لها في هذا العصر هو الفيلسوف الغربي المسيحي ( جون هيك ) في كتابه فلسفة الدين ،
وأهم مَن روج لها في أوساط المسلمين المفكر الإيراني ( عبد الكريم سروش ) في كتابه الصراطات المستقيمة ،
ونقلها عن الأخير آخرون من أوساطنا .
وتعدّ مسألة التعددية الدينية اليوم من أهم مسائل فلسفة الدين . 

🖋 فما هو المراد من هذه التعددية ؟؟ 
وماهو الموقف منها ؟؟

فُسرت التعددية الدينية بعدة تفسيرات  ، أهمها تفسيران :

 🖋 الأول : تعدد الحقيقة .

والمراد بتعدد الحـقيقة : أنَّ الحـقيقة ليست واحـدة ، بل هي متعددة ،
فالحق والحقيقة ليسا حكراً على دين معين ،
فليس هناك دين حق بالمطلق ، ولادين باطل بالمطلق 
فالحقانية نسبية في كل الأديان والمذاهب ، 
لاسيما التي تنسب نفسها للسماء .

فالإسـلام يـمتلك الحقيقة ، 
والمسيحية تمتلك الحقيقة ، 
واليهودية كذلك .
وهكذا عـلى مستوى المذاهب ، 
فإنَّ الشيعة يمتلكون الحقيقة ، 
والمذاهب الأخرى تمتلك الحقيقة أيضاً ، 
والإنسان له أنْ يختار أي دين أو مذهب ، 
فكلها على حق ،
وكلها ستنجيه في يوم القيامة .
فلاتنحصر النجاة بدين أو مذهب معين .
وهذا المعنى في حقيقته يرجع الى نظرية نسبية الحقيقة وأنَّ لادين يمتلك الحقيقة المطلقة لوحده .

🖋 وهذا التفسير للتعددية لا يـمكـن قـبـوله ؛ لأنَّ معنى ذلك الجمع بين المتناقضين ؛ وهو مستحيل عقلاً .

فمثلاً : ما يعتقد به اليهود والنصارى من أنَّ بعض الأنبياء هم أبناءٌ لله سبحانه :

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) [ التوبة : 30 ] .

فعلى ضوء هذه النظرية سيكون هذا الاعتقاد حقيقة .
وسيكون مايعتقد به المسلمون من نفي بنوة أحد لله سبحانه هو الآخر حقيقة . 
وهذا جمع بين المتناقضين .

وهكذا سيكون ما يعتقد به الإمامية حقيقة ، وكذلك ما يعتقد به الزيـديـة مثلاً حـقيقة أيـضاً .
فالإمامي يعتقد مثلاً أنَّ الإمامة بعد الإمام السجاد للإمام الباقر ( عليهما السلام ) ، وليست لزيد بن علي ، 
بينما الزيدي يعتقد أنَّ الإمامة لزيد بن علي وليست للباقر ،
وحينئذ وفق هذه النظرية فالإمامية يمتلكون الحقيقة ، والزيدية أيضاً يمتلكون الحقيقة . 
ولازم ذلك أن يكون قولنا : " الباقر إمام " حـقيقة ، 
و " البـاقر ليس إماماً " حقيقة أيضاً .

وهذا جمع بين المتناقضين ،
وهو مستحيل عقلاً  كما أسلفت .

🖋 التفسير الثاني : التعدد في الشرائع الدينية :

بعد وضوح بطلان التعددية الدينية بتفسيرها الأول ،
مال المناصرون لهذه النظرية الى تفسير ثانٍ لها ، حاصله :

أنَّ الدين شـيء ،
والشرائع الدينية شيء آخر ،
فالدين واحد ، وهو الإيمان بالله الواحد الأحد ، 
والشرائع الدينية _ التي هي التعاليم العملية والأخلاقية _ متعددة .
فالشرائع الدينية التي جاء بها الأنبياء متعددة ومختلفة ، تبعاً لإختلاف ظروف الزمان والمكان .

وبعبارة : إنَّ الدين يتعلق بعقيدة الإنسان حول وجود الله وصفاته فهو واحد لايقبل الإختلاف ،
وإرسال الأنبياء جميعاً كان لتنبيه الفطرة على الإعتقاد بذلك .
أما الشرائع فهي لتنظيم علاقات الإنسان الفردية والإجتماعية ؛ لذلك فهي مختلفة بإختلاف الظروف والبيئة التي يعيش فيها النبي .

🖋 ويكفي في سعادة الإنسان ونجاته أنْ يؤمن بالله ، وأن يلتزم في حياته بتعاليم أحدى الشرائع .
فهناك عدد من الأديان الحقة في كل زمان ، ويستطيع الإنسان في أي زمان أن يدين بأي دين يريد ، فيكفي للإنسان أنْ يعبد الله، وأنْ ينتسب لأحد الأديان السماوية النازلة منه تعالى، وأنْ يعمل بأوامرها ، وينتهي عن نواهيها .

وبعبارة أدق  : الحق واحد وكل دين من الأديان يمثل صراطاً نحو ذلك الحق .

🖋 بل أضافوا لذلك شيئاً أخطر ، حاصله :

أنَّ الشرائع ليست إلا معارف بشرية ؛ إذ أنَّ الوحي الذي كان ينزل على النبي كان ينزل عليه على صيغة شفرة ، وهو كان يفك هذه الشفرة بحسب فهمه وثقافته وبيئته . 

وبعبارة أخرى :  أنَّ ما نزل على الأنبياء عبارة عن مضامين كلية ، والنبي هو الذي يفصّل ذلك المضمون الذي نزل عليه بحسب فهمه .
فالنبي عندما يفك الشفرة التي تنزل عليه من السماء فإنه يفكّها بحسب ما يفهمه هو .

أي : أنه يفكّها على طبق ذهنه البشري الذي يتأثر بما حـوله مـن ظـروف زمانية ومكانية .

وبعبارة موجزة : 

أنَّ مايصدر عن النبي في مجال التشريع ليس  وحياً ، 
انما هو معرفة بشرية ، والمعارف البشرية متعددة ؛ لأن كـل نـبـي يـفك الشفرة السماوية على طبق فهمه المتأثر بما حوله من ظروف زمانية ومكـانية .

🖋 ويترتب على ذلك كما يقول أصحاب هذه النظرية :
أنَّ من حق أي إنسان أنْ يختار أية شريعة يريد .

بل قال بعضهم بأكثر من ذلك :

فمادام النبي أبلغنا بحسب فهمه البشري فمن الممكن أنْ تتغير الاحكام بحسب تغيّر فهم العقل البشري وتطوره .

🖋 الموقف من التفسير الثاني للتعددية :

فنقول : 

إنَّ معارف الأنبياء والرسل والأئمة لايمكن ألّا أنْ تكون معارف إلهية ، وليست بشرية .
وبالتالي فهي ليست قـابلة للتعدد ، 
ولو كـانت معارفهم بشرية ، 
ومجرد استنتاجات ذهنية ، 
لبطل الغرض من إرسالهم .

فالغرض من إرسال الأنبياء :
هو إيصال الإنسان الى كماله  .
والإنسان لايمكن أن يصل الى كماله في مسيرة الكدح الى الله سبحانه بالإعتماد على عقله فقط .
ويشهد لذلك أنَّ المشرعين البشر على طول التاريخ عندما يشرعون يعتقدون أنهم درسوا كل التفاصيل ونظروا الى كل الزوايا ، ثم بعد حين يكتشفون وجود خلل فيبدأون بالتعديل لمرة او اكثر ، مع أنهم يشرعون لبعض الناس وعلى بقعة من الارض ، فكيف يكون العقل البشري قادراً على تشريع قانون لكل البشرية على امتداد اجيالها ، وللدنيا والآخرة ؟!

من هنا جاءت ضرورة بعثة الأنبياء ،
فالغرض من بعثتهم هو إيصال البشرية الى كمالها .
فلو كانت الشريعة من عند النبي وليست وحياً ،
فالنبي بشر ، وبدون وحي وبدون عصمة يمكن أن يُخطئ . 
وبالتالي لم تُحل مشكلة المعرفة عند الإنسان .
وكأنَّ الله سبحانه يدعونا للكدح اليه دون أنْ يعلمنا كيفية الوصول ، حاشاه . 

[ له تتمة ] 

نظرية التعددية الدينية. الحلقة الاولى

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top