بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
مع الشعراء (٥).
تحدثنا في المقال السابق عن أهمية الحفاظ على الصور العاشورائية وعلى رأسها مفردة العطش التي غابت عن الشعر حديثا مع أنها جزء من الظلم الذي حل على أهل البيت صلوات الله عليهم أكد عليه المعصوم. ونكمل الحديث الآن عن مفردات أخرى تم تغيبها .
لم تغب عن الفاهمة الشعبية حديثا مفردات العطش فقط ؟بل غابت مفردات الأهداف التي خرج من أجلها الإمام! ومفردات أخرى لم يتم التعرض لها بالمطلوب من قبيل الحجة والبرهان وقوة المنطق والتي استخدمها سيد الشهداء صلوات الله عليه في يوم العاشر كوسيلة طبيعية جديرة بالاهتمام.
وما ألقاه من حجج وأكثر من إرسال سهم الحق حتى لا يترك في عنقه شيئا لم يؤده في هداية القوم من باب النصح والاحتجاج المنطقي وحتى الجدال (وهو من الصناعات الخمسة) وهذا كان جليا عندما قال لهم على ماذا تقاتلونني على سنة غيرتها أو أنني لست منكم فهذا لحم النبي وهذه عائلة النبي وغير ذلك من الحجج والبراهين التي أظهرها لمن يعرفها ولمن كان يظن بأنه يجهلها! فأتم الحجة وبالغ في النصيحة.
هذه الصور التي تكشف لنا عمق ارتباط الإمام الحسين عليه السلام بالأنبياء والرسالات وكذلك تكشف لنا ابتعاد القوم عن الدين والإسلام ومنطق العقلاء.
غابت عن الأشعار وكأن الشاعر لا يريد أن يكشفها أو يجهل أهميتها مع أن هذه المحطة العاشورائية من أهم المحطات التي يمكن الاستفادة منها في خلق وعي لدى الأجيال وكيفية التعامل مع الخصوم وأحياء للمفاهيم الإسلامية في النفوس والتي ما تركها الإمام الحسين صلوات الله عليه في أصعب الظروف.
ومن هنا فإن الإمام الحسين صلوات الله عليه عبرة وعبرة ونحن ما زلنا نتحدث عما غيب عن المجتمعات بسبب عدم الاهتمام بأسس الثورة التي خطها سيد الشهداء بدمه في كربلاء وكانت الغاية منها هو إعادة الأمة إلى الإسلام الأصيل وإخراجهم من الصنمية والتبعية والانصياع إلى الشهوات والاستعباد من قبل السلطات.
لم تك حركة سيد الشهداء إلا من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أمة جده صلوات الله عليه وعلى آله التي انهارت وبدأت تظهر عليها علامات الضعف والشيخوخة بسبب تسلط ال امية وإنتاج العقائد الفاسدة من تقديس الخليفة الأموي وتبرير أفعاله تحت غطاء الإسلام الأموي المزيف.
وما المرجئة والقدرية وغيرها من الحركات إلا نتاج تلك الحقبة الظالمة الظلامية في زمن معاوية وانتشرت أكثر وتزايدت في ظل ولده يزيد.
لذلك كان على الشعر الحسيني الحديث ومع هذا التطور الذي نملكه وسعة الحرية في أداء المراسيم الحسينية أن يسلط الضوء على هذه الجنبات حتى يعطي زخما تعويضيا للأمة الإسلامية ويكشف هوية القوم الذين لم ينصاعوا لمنطق الحوار ومنطق العقل ولا إلى الحجج والبراهين أبدا إنما كانوا مغلفين بالجهل ومسلحين بالظلم ومصرين على الكفر.
ولو رجعنا إلى القصائد الأولى التي ذكرنا جزءا منها في مقالات سابقة لوجدنا أن هذا الوعي كان حاضرا في القصيدة حيث أن الشاعر يذكر لنا شيئا من الخذلان عندما يقول (الأعسم )هذا البيت (ولقد دعوه إلى العناء فأجابهم ودعاهموا للنجاة فردوا داعيه.
قست القلوب ولم تمل لهداية تبا لها تيك القلوب القاسية) لاحظ أن الشاعر كيف يوظف شعره في خدمة القضية الحسينية ويصور لنا مشهداً من المشاهد ومحطة من المحطات بطريقة صحيحة وسليمة غير خاضعة إلى المزاج وليست بعيدة عن المنهج الحسيني أبدا.
لأن هذا الطرح لا يضعف من الإمام بنظر القاري ولا يظهر أن الإمام بحاجة إليهم على العكس تماما إنما يظهر حقيقة القوم الذين لم ينصروه ولم يلتزموا بما كاتبوه عليه عندما أرسلوا له ودعوه لنصرة الدين والإسلام ثم خذلوه!
هذه الصورة مهمة جدا لأن الكثير من الناس لديه تساؤلات فيمكن لمثل هذه القصائد أن تجيب عنها ومن جملتها سبب خروج الإمام الحسين صلوات الله عليه بعياله وأنصاره وسبب قلتهم فكيف يخرج سبط رسول الله بهذا العدد من دون جيش وأنصار ؟
وهذه الأجوبة تأتي من خلال نقل الصورة الحقيقية بأن هنالك خذلان وعدم التزام وأن الإمام الحسين صلوات الله عليه لم يكن جاهلا بتحركه ولم يكن قاصرا بإدارة هذه الثورة؟ إنما ما حصل هو الخذلان والانحراف عن جادة الصواب.
لذلك نحتاج إلى الاهتمام بهذه الأجوبة من خلال إدخال بعض التفاصيل في القصيدة وكذلك الاهتمام بالأسلوب الذي طرحه الإمام في العاشر من المحرم من حوار وحجج وغيرها للتعرف أكثر عن قيمة الإمام ومن معه وانحراف الطرف الآخر المتلبس عنوة بالإسلام ومن معه.
وقد يدفع الشبهات من خلال استنطاق التاريخ وإدخال أجوبة القوم مثل جواب عمر ابن سعد عندما يقول أأترك ملك الرأي! أو جواب سنان الذي يقول له إني قتلت السيد المحجبا؟ وغيرها من أجوبة القوم من قبيل نقاتلك بغض لأبيك.
https://chat.whatsapp.com/BA9W9wAq0fKJoubj6MV3UT
كلها لا بد أن تكون حاضرة في القصيدة ولا تقتصر على العاطفة التصورية التي سنأتي إليها لاحقا.
لا بد من رفع منسوب الوعي لدى الشاعر وتوجيه قصيدته إلى الناس كرسالة حسينية هادفة ليس فقط شعراً مقفى يحمل صوراً إبداعية خالية من القضية والأهداف.
يتبع.
https://t.me/iljnaan
الشيخ مجيد العقابي
٢٠٢٢/٨/١٧
0 التعليقات:
إرسال تعليق