04:54:06صباحا

اخبار المركز

الاثنين، 15 أغسطس 2022

مع الشعراء ٤


 ‏أَعُوذُ بِاللّٰهِ مِن الشَيْطانِ الحمية بِسَمِ اللّٰهِ الرَحْمٰنِ الرَحِيمِ وَصَلَّى اللّٰهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَيِّبِينَ الطاهِرِينَ

 مَعَ الشُعَراءِ (٤) 

كانَ الكَلامُ فِي المَقالاتِ الثَلاثَةِ السابِقَةِ الَّتِي وَصَلْنا بِها إِلَى مَرْحَلَةِ الشَعْرِ الحُسَيْنِيِّ، كانَ الكَلامُ عَن أَهَمِّيَّةِ تَحْصِينِ الفِكْرِ مِن الاِنْزِلاقاتِ العَقائِدِيَّةِ وَمِن الاِبْتِعادِ عَن الهُوِيَّةِ وَعَن المَوْضُوعِيَّةِ وَسَوْفَ أُكْمِلُ الحَدِيثَ عَن الشِعْرِ الَّذِي حافَظَ عَلَيْهِ شُعَراءُ الأُمَّةِ فِي تَكْوِينِ الصُورَةِ الحُسَيْنِيَّةِ وَإِيصالِها إِلَيْنا بِالطَرِيقَةِ الَّتِي أَقَرَّها المَعْصُومُ صَلَواتِ اللّٰهِ عَلَيْهِ بَلْ شَجَّعَ عَلَيْها عِنْدَما كانَ يُرْسِلُ بِإِحْضارِ الشُعَراءِ وَيَدْعُوهُم لِإِلْقاءِ الشِعْرِ حَوْلَ مُصِيبَةِ الإِمامِ الحُسَيْنِ صَلَواتِ اللّٰهِ عَلَيْهِ. 

 وَقَدْ قَرَأْنا فِي المَقالِ السابِقِ أَنَّ الشاعِرَ الحُسَيْنِيَّ كانَ يَأْخُذُ صُوَرَهُ الشِعْرِيَّةَ مِنْ وَحْيِ الطَفِّ وَلَمْ يَكُنْ يَرْتَجِلُ إِلّا فِي المِساحاتِ الَّتِي لا تُشَوِّهُ صُورَةَ المَلْحَمَةِ أَبَداً، رَغْمَ أَنَّ الشِعْرَ يَحْتاجُ إِلَى مُخَيِّلَةٍ عالِيَةٍ  وَلٰكِنَّهُ لا يَعْنِي أَنْ يَعْكِسَ ثَقافَتَهُ النَفْسِيَّةَ عَلَى وَحْيِ النَصِّ الحُسَيْنِيِّ المُرْتَكِزِ عَلَى هُوِيَّةٍ وَقَضِيَّةٍ وَتارِيخٍ. 

 بِالتالِي وَصَلَ إِلَيْنا النَصُّ الشِعْرِيُّ الحُسَيْنِيُّ بِما يَضْمَنُ لَنا الوقوف عِنْدَ حَقائِقِ التارِيخِ وَما حَصَلَ فِي يَوْمِ العاشِرِ مِن المُحَرَّمِ مِنْ قَتْلٍ وَمِن عَطَشٍ وَمِن اِعْتِداءٍ عَلَى حُرْمَةِ رَسُولِ اللّٰهِ وَمِنْ حَرْقٍ لِلخَيّامِ وَسُبي لِلأَطْفالِ وَما إِلَى ذٰلِكَ. 

كُلُّ ذٰلِكَ أوصلوه لَنا بِأَمانَةٍ وَدِقَّةٍ عالِيَةٍ وَرَفَضَ صارِخٍ لال أُمِّيَّة وَما فَعَلُوهُ بِعِيالِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. 

وَمِنْ المَلامِحِ الَّتِي بَرَزَتْ فِي مَلْحَمَةِ الطَفِّ الخالِدَةِ  هِيَ قَضِيَّةُ الآباءِ وَقَضِيَّةُ الثَباتِ وَعَدَمُ الخُضُوعِ تَحْتَ عُنْوانِ الهَيْئاتِ مِنّا الذَلَّةُ. وَبَرَزَ قِبالُها لَوْنُ الظُلْمِ وَالاِعْتِداءِ وَمَنْعُ الماءِ عَنْ عائِلَةِ الرِسالَةِ. 

وَهٰذِهِ المَظْلُومِيَّةُ رَبَطَت المُجْتَمَعاتِ الداخِلِيَّةَ وَالخارِجِيَّةَ بِمُصِيبَةِ كَرْبَلاءَ حَتَّى تَحَوَّلَ العَطَشُ إِلَى سَيْفٍ يَذْبَحُ بِهِ الطُغاةُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ بِاِعْتِبارِ أَنَّ النَفْسَ البَشَرِيَّةَ تَرْفُضُ مَنْعَ الماءِ المُباحِ وَتَحْن وَتَرَقُّ إِلَى العَطَشَان. 

 فَتَحَوَّلَ هٰذا المَشْهَدُ إِلَى ثَقافَةٍ سائِدَةٍ فِي مُجْتَمَعِنا وَحَمَلَهُ شِعاراً فِي كُلِّ مَكانٍ تَحْتَ عُنْوانِ ( اِشْرَبْ الماءَ وَاُذْكُرْ عَطَشَ الحُسَيْنِ) حَتَّى كانَ الكَثِيرُ مِنّا إِذا أَرادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عَلَى أَرْواحِ الأَمْواتِ  مِنْ أَقْرِبائِهِ  يَقُومُ بِوَضْعِ الحُبِّ عِنْدَ البابِ لِيَشْرَبَ الناسَ عَلَى حُبِّ الإِمامِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَلامُ  وَيَكْتَبَ عَلَى هٰذا الحُبِّ اِشْرَبْ الماءَ وَاُذْكُرْ عَطَشَ الحُسَيْنِ 

كانَ سَقْيُ الماءِ ثَقافَةً لَدَى المُجْتَمَعِ بِأَنَّ رَبْطَ اِسْمِ الإِمامِ  الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَلامُ مَعَ الماءِ حَتَّى بَدَأَتْ تَغِيبُ عَنْ ثَقافَتِنا. وانا اُدْعَوْا لِإِعادَتِها 

وَلِلأَسَفِ لَمْ تَبْقَ هٰذِهِ الثَقافَةُ حَتَّى فِي قَصائِدِنا الحالِيَّةِ لا شِعْراً وَلا نَعْياً وَلا حَتَّى فِي النُصُوصِ الأَدَبِيَّةِ مُبْتَعِدَيْنِ عَنْ هٰذا المَوْضُوعِ بِسَبَبِ النَظْرَةِ القاصِرَةِ وَالفَهْمِ السَطْحِيِّ إِلَى ما جَرَى فِي كَرْبَلاءَ وَهُمْ يَخْلِطُونَ بَيْنَ الآباءِ وَبَيْنَ الحَقِيقَةِ الَّتِي جَرَتْ مِنْ مَظْلُومِيَّةٍ لا يَسْمَحُ بِطَمْسِها. 

فَهٰذا اِعْتِداءٌ عَلَى المَفاهِيمِ الإِسْلامِيَّةِ حَيْثُ يَتِمُّ الجَمْعُ بَيْنَ الهُوِيَّةِ وَلَوازِمِها مَعَ ما حَلَّ عَلَيْها مِن تَدْجِينٍ وَاِعْتِداءٍ؟

 فَأَصْبَحَ المُمْتَنِعُ عَن كِتابَةِ هٰذِهِ الثَقافَةِ الحُسَيْنِيَّةِ المُسْتَوْحاةِ مِن المَظْلُومِيَّةِ العاشُورائِيَّةِ مُبَرِّراً لِأَفْعالِ الظالِمِينَ أَوْ مُغَطِّي لِجَرِيمَتِهِم البَشِعَةِ وَما فَعَلَهُ ال امية عَلَى ال البَيْتِ مِن  يَزِيدُ وَاِتِّباعٌ يَزِيدُ وَكَذٰلِكَ مُقَلِّلِينَ مِنْ حَجْمِ صُمُودِ أَهْلِ البَيْتِ وَإِظْهارِ ما حَلَّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذابٍ وَأَلَمٍ. 

 فَنَحْنُ عِنْدَما غَيَّرْنا مَشاهِدَ المَظْلُومِيَّةِ ظَنّاً مِنّا أَنَّنا نُحافِظُ عَلَى قَدْرِ المَعْصُومِ؟! سَلَبْنا كَرْبَلاءَ أُلّاباً وَالشَهادَةَ كُلَّ تَمَيُّزٍ لَها عَلَى سائِرِ المَلاحِمِ وَالثَوْراتِ. 

وَأَخْفَيْنا كُلَّ أَنْواعِ الظُلْمِ الَّذِي  مُوَرِسٌ فِي يَوْمِ العاشِرِ في كَرْبَلاءَ!   لِذٰلِكَ إِلَى وَقْتِ التِسْعِيناتِ كُنّا نَسْمَعُ الرادُودَ وَالشاعِرَ يَتَحَدَّثُ عَنْ العَطَشِ وَالحُزْنِ وَالعَذاباتِ الَّتِي مَرَّتْ بِكُلِّ وُضُوحٍ وَبُرُوزٍ. 

وَاُذْكُرْ العَشَراتِ مِن القَصائِدِ الحُسَيْنِيَّةِ الَّتِي قَرَأَها المُلّا جَلِيلٌ وَالمَلّا أَبُو بَشِير وَالمَلّا باسِم الكَرْبَلائِي وَمَنْ سَبَقَهُم طَبْعاً مِن فَطاحِلَةِ هٰذا الفَنِّ وَهٰذا السِلْكُ إِنَّ العَطَشَ كانَ حاضِراً وَبِقُوَّةٍ فِي القَصِيدَةِ الرَئِيسِيَّةِ أَمّا اليَوْمَ فَلَمْ نَعُدْ نَسْمَعُ شَيْئاً عَن العَطَشِ وَغابَ الجُزْءُ الأَكْبَرُ فِي القَضِيَّةِ  وَقُلَّت ثَقافَةُ الاِرْتِباطِ بِذِكْرِ الحُسَيْنِ عِنْدَ شُرْبِ الماءِ وَقُلَّت الحالَةُ الوِجْدانِيَّةُ الَّتِي تَسْقُطُ الدَمْعَةَ عِنْدَما تَسْتَمِعُ إِلَى كَلِمَةِ العَطْشانِ وَهٰذا لا يَقْبَلُهُ أَيُّ إِنْسانٍ مُسْلِمٍ كانَ أَوْ كافِراً لِأَنَّ الكُلَّ يَعْرِفُ أَنَّ الماءَ يَعْنِي الحَياةَ وَمَنْعَ الماءِ يَعْنِي القَتْلَ وَالاِعْتِداءَ. 

مِن هُنا لا بُدَّ مِن إِعادَةِ هٰذِهِ المُفْرَدَةِ وَالعَمَلِ عَلَيْها لِتَبْقَى قَضِيَّةُ العَطَشِ وَالمَظْلُومِ راسِخَةً فِي أَذْهانِ الجَمِيعِ وَمُتَوارَثَةً عَبْرَ الأَجْيالِ  لِأَنَّ رَفْعَها أَوْ نِسْيانَها مِن مَشْهَدِ كَرْبَلاءَ يُحَوِّلُ الصُورَةَ كَأَنَّها مَعْرَكَةٌ خالِيَةٌ مِن الوَحْشِيَّةِ الأُمَوِيَّةِ وَما جَرَى يَوْمُ العاشِرِ عَلَى أَهْلِ البَيْتِ صَلَواتُ اللّٰهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ 

الأَجْيالُ اللاحقة  لَدَيْها تَساؤُلاتٌ وَسَوْفَ تَتَحَوَّلُ إِلَى أَفْكارٍ وَأَفْكارٍ سَوْفَ تُتَرْجِمُ تِلْكَ المِلْحَمَة تَحْتَ عُنْوانِ المَعْرَكَةَ المادِّيَّةَ وَلا يُوجَدُ فِيها أَيُّ شَيْءٍ مِنْ العبرةوَالعِبْرَةِ إِنْ لَمْ نُحافِظْ عَلَى هُوِيَّةِ كَرْبَلاءَ. 

يَتْبَعُ

https://t.me/iljnaan

الشيخ مجيد العقابي 

٢٠٢٢/٨/١٥

مع الشعراء ٤

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top