مع الشعراء. (٢).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين. 

مع الشعراء (٢). 

عبر العرب الأوائل عن الشعر بأنه (ديوان العرب)  لما له من أهمية بالغة في إبراز مفاهيم اجتماعية أو سياسية أو تاريخية عبر العصور. 

ومن هنا إذا أردنا أن نقسم الشعر إلى أقسام يبتني عليها هذا الفن فلا أعتقد أننا سننجح بذلك. من حيث إن الشعر لا ينحصر بملف دون آخر فهو كلام يتصف بالبلاغة والصورة والخيال الخصب وينزل الكلام الطيب على المتلقي بأبهى صورة تدل على حرفية الشاعر. 

ولكني أستطيع أن أقول إنه بالمجمل تفرد باتجاهين الأول المديح والثناء والثاني الصراع والهجاء 

وطبعا الأول فيه قسم مذموم وهو تأليه الحاكم  والثاني المذموم لأنه يشعل الحروب والبغضاء ويولد التنابز والاستعلاء ولرب بيت من الشعر قطع رأس صاحبه كما حصل مع فطاحلة الشعر. 

لذلك أن الشعر له اتجاهات متعددة نافعة وضارة والنافع منها هو ما يحفظ الحقائق وينقل لنا التاريخ ويسجل لنا الحقب الاجتماعية والسياسية وهكذا. 

ومن هنا تجد أن المحقق الفذ لا يتجاهل هذا الفن أثناء البحث عن شخص أو حادثة بل لعله يأخذ من طريق الشعر منفذا لتثبيت ما وصل إليه. 

والشعر يعبر عن قائله تماما إلا ماندر ممن يبالغ فيه وإن كانت المبالغات دخلت حديثا على الشعر أما الشعر الأول فلعله يكاد يخلو من هذه المبالغات لما يجد من رقابة واعتراض بل يجابه بردود شعرية لا تقبل بالكذب والافتراء  مثل ما صدح الفرزذق أمام ابن عبد الملك حينما تسأل عن الداخل إلى حرم الله وكان الإمام السجاد عليه السلام يطوف حول البيت. فقال الفرزدق قصيدتهم المشهورة :

يَا سَـائِلِي‌ أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ

عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا

هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ

وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ

صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ

وعلى سبيل المثال عندما ارتجز مرحب في خيبر ذكر ما هو معروف عنه عند الجميع. وعندما برز إليه الأمير صلوات الله عليه ارتجز بما يعرفه عنه الجميع. وهكذا في الخندق ومعركة أحد وباقي الحروب ودونك ملحمة الطف الخالدة وما فيها من أشعار تكشف شجاعة المقاتل الرسالي المبدئي مثلا ما قاله العباس عليه السلام :

والله إن قطعتموا يميني

إني أحامي أبدا عن ديني

او 

نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني

هذا الحسين شارب المنون وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني ولا فعال صادق اليقين

وبالمقابل تقرأ أن سنان دخل على ابن زياد  وأنشد عنده :

املأ ركابي فضة وذهبا  

أنا قتلت الملك المحجبا

 قتلت خير الناس أما وأبا  

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فلاحظ الفرق بين الحق والباطل وبين طالب الأخرى من طالب الدنيا وسيأتي إن شاء الله الحديث عن الشواهد الكثيرة التي كشفت لنا هوية بعض الشخصيات فعندما نقرأ شعر أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله : 

والله لن يصلوا إليك بجمعهم.   حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة. وأبشر وقر بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصح. ولقد صدقت وكنت ، ثم أمينا

وعرضت دينا لا محالة أنه. من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذاري سبة.  لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فلاحظ كيف أن الرجل يقطر غيرة وحمية وإيمانا بهذا الدين الذي حمل عبء تبليغه رسول الله صلى الله عليه وآله. 

وهذه الأبيات خير جواب لعقدة تاريخية لطالما توهمها المرجفين بحق شيخ البطحاء وسيدهم. 

فالشعر لم يك وسيلة تنفس عن الروح كما اليوم ولم يك وسيلة للهو والتسلية بل كان ينحت لنا أخبار الأمم والمجتمعات ويكشف لنا الحقائق والمغيبات. 

واما ما نعيشه في عصرنا من كثرت المبالغات وعدم الوقوف عند الحقائق فسيضيع تاريخنا ويجعل الاقوم القادمة لا تعتمد على الشعر كما نحن اليوم نعتمد عليه في كشف حقائق التاريخ 

وسيأتي إن شاء الله الحديث عن المراحل المتقدمة بإذن الله 

https://t.me/iljnaan

يتبع

الشيخ مجيد العقابي 

٢٠٢٢/٨/٤