04:54:06صباحا

اخبار المركز

الأحد، 7 أغسطس 2022

مع الشعراء (٣).


‏بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين 


مع الشعراء (٣). 

قدمنا في المقالين السابقين حول أهمية الاعتقاد ودوره في صياغة وعي المتحرك وكذلك أهمية الشعر وأثره البالغ في نقل الأحداث والأخبار عبر التاريخ وخصوصا أن الساحة الثقافية سابقا كانت للشعر حتى علقت بعض القصائد المعروفة على صدر الكعبة والتي تسمى بالمعلقات، من هنا   تطلب أن يكون القرآن الكريم هو الحجة الدامغة عليهم لا غيره، لأن المنطقة كانت تمتاز بالشعر والأدب فما كانت تنفع معهم إلا معجزة القرآن الكريم  لما يحمل من البلاغ والسباكة والدلالات الكثيرة ولذلك كانوا يتصورون أنه من الشعر ولكنه متطور شيء ما. لكنهم بعد ذلك أذعنوا إلى عدم سنخية الكلام ووجود الفارق الكبير بين الشعر وبينه. 

المهم أن الشعر قضية وهوية وقد لعب دورا كبيرا في نقل قضايا الإسلام ومن جملتها القضية الحسينية من تأصيل للأبعاد القيمية والحقائق التاريخية لهذه الملحمة وما مرت بها من مآسي وأحزان.

 وبما أن الشعر يلامس الوجدان فلقد اجتمعت في الشعر الحسيني المحركات العاطفية والنقلية في آن واحد. 

لم تكن الثورة الحسينية لتستمر لو لم يكن هنالك شعراء ومجالس وعزاء بالطرق المتعارفة، بقيت الملحمة الحسينية خالدة إلى يومنا هذا لأن فيها أبعاد وتساؤلات لا يمكن الكشف عنها بسبب الفاصل الزمني وتداخل الأحداث والمعتقدات.

ولكن من ضمن لنا حل بعض الإشكالات هو الشعر الذي أرخ لنا تلك الحقبة بامتياز وتجرد ، حيث صور لنا ما جرى في يوم العاشر من المحرم بكل تفاصيله  بل تحدث على ما سبق يوم العاشر وما لحق به من السبي والرجوع وهكذا. 

وتكتسب القضية الحسينية الشعرية أهميتها ليس فقط من خلال الشعراء وقدرهم الاجتماعي وعبقريتهم في تصوير المشاهد ! بل لما ركز عليه أهل البيت صلوات الله عليهم باتجاه الشعر واهميته وقاموا بتدعيمه وإرسائه، حتى  وصل الحال أن الإمام المعصوم يجلس عند الباب ويجمع أصاحبه وأهل بيته وينادي الشاعر في زمانه ويقول له هل كتبت شيئا في جدي  الحسين ؟ بهذه الطريقة التي كان يتعامل بها الإمام المعصوم مع الشعر والشعراء  أعطى زخما معنويا وكذلك حقق له هدفا اعتباريا لم يكن عبثياً بل دعم فعله بالأحاديث الجمة حول أجر من يكتب في حق أهل البيت صلوات الله عليهم.

هذا الزخم وهذا التوجيه من قبل المعصوم هو الذي جعل الشعراء يتنافسون على الكتابة حول هذه القضية وبفضل توظيف شعرهم عما جرى في كربلاء وصلت لنا حقائق كثيرة. 

ولنتابع  النصوص الشعرية منذ انطلاقة  المجالس الحسينية  الأولى وكيف أن الشاعر يصور لنا مشاهد من كربلاء مثل قول عقبة بن عمرو السهمي، من بني سهم بن عوف ابن غالب حيث يقول :

إذا العين قرت في الحياة وأنتم * تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلا * ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائبا * أطافت به من جانبيه قبورها. 


أو تعال إلى الكميت وما أدراك ما الكميت الذي دعا له الإمام الصادق صلوات الله عليه مرارا. 

يقول الكميت :

 كـأن حـسـيـنـاً والـبـهـالـيـل حـولـه  ***  لأسـيـافـهـم مـا يـخـتـلـي الـمـتـبـقـلُ

يـخُـضـن بـه مـن آل أحـمـد فـي الـوغـى  ***  دمـاً ظـل مـنـهـم كـالـبـهـيـمِ الـمـحـجَّـلُ


وغـابَ نـبـيُّ اللهِ عـنـهـمْ وفـقـده  ***  عـلـى الـنـاسِ رزءٌ مـا هـنـاك مـجـلـلُ


فـلـم أرَ مـخـذولاً أجـلَّ مـصـيـبـة  ***  وأوجـبُ مـنـه نـصـرةً حـيـن يُـخـذلُ


يـصـيـبُ بـه الـرامـون عـن قـوس غـيـرهـم  ***  فـيـا آخـراً أسـدى لـه الـغـيَّ أوّلُ


ولو جئنا إلى الموالي الحميري الذي يهزني من أول مطلع قصيدته وكأنني اسمع صوته وهو يجهش بالبكاء حيث يقول :


أمرُرْ على جدثِ الحسيــــنِ وقلْ لأعظمهِ الزكيه


يا أعظماً لا زلتِ من *** وطفاء ساكبة رويَّه


ما لذَّ عيشٌ بعد رضِّـــــكِ بالجيادِ الأعوجيه


قبراً تضمّنَ طيباً *** آباؤه خيرُ البريه


والخيرُ والشيمُ المهـــــــــذّبة المطيَّبة الرضيه


وله أبيات أخرى يقول فيها:


إن كنتَ محزوناً فمالكَ ترقدُ *** هلّا بكيتَ لمن بكاهُ محمدُ


هلا بكيتَ على الحسينِ وأهله؟ *** إنَّ البكاءَ لمثلهم قد يُحمدُ


لِتضعضعِ الاسلام يومَ مصابهِ *** فالجودُ يبكي فقدَه والسؤددُ


فلقد بكته في السـماءِ ملائكٌ *** زهرٌ كرامٌ راكعونَ وسجَّدُ


أنسيتَ إذ صارت إليه كتائبٌ *** فيها ابنُ سعدٍ والطغاةُ الجُحَّدُ؟


فسقوهُ من جُرعِ الحِتوفِ بمـشهدٍ *** كثرَ العداةُ بهِ وقلَّ المُسعدُ


لمْ يحفظوا حقَّ النبيِّ محمدٍ *** إذْ جرَّعوه حرارةً ما تـبردُ


قتلوا الحسينَ فأثكلوه بسبطهِ *** فالثكلُ من بعدِ الحـسين مبرَّدُ


كيفَ القرار؟! وفي السبايا زينبٌ *** تدعو بفرطِ حرارةٍ: يا أحمدُ


هذا حسينٌ بالسيوفِ مبضَّعٌ *** متلطِّخٌ بدمائهِ مُسْتَشْهَدُ


عارٍ بلا ثوبٍ صريعٌ في الثرى *** بين الحوافرِ والسـنابكِ يُقـصَدُ


والطيبونَ بنوكَ قَـتلى حوله *** فوقَ التُراب ذبائحٌ لا تلحدُ


يا جدُّ قد منعوا الفـراتَ وقـتَّلوا *** عطشاً فليسَ لهم هنالكَ موردُ


هكذا أرخ الشاعر للقضية الحسينية ولم يغفل عن مفردات الطف أبدا بل ذكر أسماء أعداء الله في القصيدة ليعرفنا من قاد الجيش وماذا فعل فالسردية موجودة ولم يجعل العاطفة تنسيه توثيق الأحداث أبدا.  


أما دعبل الخزاعي فلله دره على ما أرخه في قصيدته التائية والتي جعلت الإمام الرضا يدعو له ويكرمه بل ورد أن الإمام المعصوم لطم خده عندما وصل دعبل إلى هذا البيت : للطمت الخد فاطم عنده. 


ولننقل بعض أبياته للتبرك :


أفاطـم لو خلت الحسين مجدلا . . وقـد مات عطشانا بشـط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنـده . . وأجريت دمع العين فيالـوجنات

أفـاطم قومي ياابنة الخـير . . واندبي نجوم سماوات بأرض فلاة

قبـور بكوفان وأخرى بطيبة . . وأخـرى بفـخ نالهاصـلواتي

قبـور ببطنالنهـر من جنب . . كربلا معرسهم فيها بشط فرات

توافوا عطاشا بالعـراء فليتني . . توفيت فـيهم قبـل حينوفاتي

إلى الله أشكولوعة عند ذكرهم . . سقتني بكـأس الثكل والفضعات


ولنأخذ لقطة شعرية أخرى حتى لا يطول بنا المقام وهي للسيد حيدر الحلي حيث يقول : 


ماذا يهيجك إن صبرت

لوقعة الطف الفضيعه

أترى تجىء فجيعة

بأمر من تلك الفجيعة

حيث الحسين على الثرى

خيل العدى طحنت ضلوعه

قتلته آل أمية

ظام الى جنب الشريعه

ورضيعه بدم الوريد

مخضب فاطلب رضيعه


هذه لقطات سريعة عن الشعر ونماذج قيمه يحتذى بها فلو لاحظت أيها القاري الكريم رغم الفاصل الزمني بين الحميري ودعبل  والحلي ولكنهم حافظوا على الأحداث العاشورائيا حيث ذكروا رض الخيل وقتل الطفل والعطش وغيرها من الظلامات التي حلت على ال البيت وهذا يؤكد على وجود الهوية والثبات على القضية فهم يطورون المفردة والصورة ويغيرون القافية ولكنهم يحافظون على المضمون ويركزون على المظلومية من دون إخراجها عن أهدافها والتي نشهدها اليوم مع شديد الأسف من عدم الاهتمام بالأحداث التاريخية ونقلها بأمانة ومسؤولية فلقد طغى على الشعر جانب الصور الشعرية دون الحفاظ على الهوية والقضية وبدا الشعر يأخذ جانب الوجدان على حساب السرد والتبيان. 

يتبع 


الشيخ مجيد العقابي 

٢٠٢٢/٨/٦


 

مع الشعراء (٣).

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top