بسم الله الرحمن الرحيم.
#رصد_عقابي_٣
قررت الحكومة منح الطالب حرية في الانتساب للصف السادس إعدادي مما جعل المدارس تكاد تكون خالية من الصف السادس باعتبار أن هذه المرحلة الأخيرة تدفع بالطالب للدروس الخصوصية ودخول المعاهد للتقوية. فوجد الطالب نفسه غير ملزم بالبقاء في المدرسة وسيحضر فقط عند امتحانات نصف السنة وآخر السنة أما طيلة العام الدراسي فهو لا يحضر إلى المدرسة الحكومية ويذهب إلى الدروس الخصوصية والمعاهد الأهلية؟!
وهنا أود أن أسأل هذا السؤال : هل هذا القرار صائب وفي مصلحة الطالب أم لا؟ وجوابه نعم.
ولكن لماذا تفقد المدارس الحكومية أهليتها وأصالتها وتتحول إلى ثانوية ؟! أولسنا درسنا وتدرجنا في المدراس الحكومية! ألم تنتج هذه المدراس طيلة العقود السابقة وكانت مصنعاً للعباقرة والمثقفين؟ مالذي جرى لتتحول إلى ثانوية.
هنا نسجل عدة أسباب لهذا التراجع على كل المستويات والمراحل وليس فقط للسادس الإعدادي.
١- الحكومة والرقابة. ضعف هذا الجانب جعل من المهمة الرسالية ( كاد المعلم أن يكون رسولا) فاسده ومنحدره لأن كل شيء يترك بلا رقابة سيفسد ويتمرد. والتربية لم تهتم بهذا الجانب لا على مستوى الأشراف ولا على مستوى المتابعة فأصبح التعليم متراجعا إلى درجة أن الطالب يصل إلى مراحل متقدمة وهو لا يحسن القراءة والكتابة.
٢- تغيير المناهج المستمر الذي يولد إرباكاً للمدرسين وخصوصا أن بعضهم أكيد لم يدرس هذه المناهج من قبل مما يولد ضعف في إيصال المعلومة للطالب.وهكذا لا يوجد ذنب من المدرس أبدا بل الذنب يقع على لجنة وضع المناهج التي تثقل على المدرس وعلى الطالب بمواد غير مدروسة سابقة. حتى بتنا نسمع أن المنهج يتغير كل سنة أو سنتين وهدأ غير معهود أبدا في الدراسة السابقة.
٣- تعيين التدريسين الشباب وإعطاؤهم حصص على مستوى متقدم من المراحل التدريسية يقينا أنه يشكل سببا آخر في تراجع التعليم لأن الأساتذة لم يمارسوا طرائق التدريس ولم يدخلوا في دورات حكومية مكثفة كما كان في السابق. فالمعلم لا يقل أهمية عن ضابط الأركان الذي يضع استراتيجية الحرب بل يحسم المعارك بقدرته العلمية التي حصل عليها من خلال الأركان. كذلك الأستاذ مهمته لا تحتاج إلى شهادة للتعيين فقط بل لا بد أن يخضع إلى دورات ودورات من أجل إنجاح مهمته التدريسية.
٤- وجود الأحزاب وتأثيرها على الشارع العراقي الذي أثر سلبا على جميع مفاصل الحياة فالطبيب والمعلم والضابط تمارس عليهم عمليات الوجاهة العشائرية والانتماءات الحزبية. فإذا كانت ( الواسطات ) فهي وسيلة مدمرة للنظام وإذا كانت ( الاعتداءات) فهي وسيلة مدمرة للنظام. وبالتالي أصبح من الصعب تحقيق النجاح في كثير من المفاصل الحياتية بسبب ما ذكرت فإما يتم تشغيل الواسطة بالضغط. وإما يتم الاعتداء بسبب القوة التي يتمتع بها بعض المتحزبين. وهذه بنظري أخطر آفة فتكت بالمجتمع على جميع الأصعدة والممارسات.
٥- الأحزاب أنفسهم بدأت بالعمل على إيجاد كليات ومعاهد أهلية وهذه الكليات والمعاهد سببت ما يلي :
أ_ إجراء بعض القوانين المضرة بالتربية والتعليم لدفع المجتمع إلى المعاهد والكليات الأهلية.
ب_تشجيع الأساتذة على إهمال التدريس الحكومي والذهاب إلى التدريس في الدروس الخصوصية والمعاهد باعتبار أنها تدر عليهم الأموال. وأموال كبيرة. ( نقل لي أحد الأصدقاء المبتلى بالدروس الخصوصية لبناته أن إحدى الأستاذات تأخذ ٦ ملايين عراقي لتدريس مادة معينة. والأستاذ الآخر يأخذ ٤ ملايين والأستاذة الأخرى تأخذ ٥ ملايين مما اضطره أن يفكر ببيع سيارته الشخصية) طبعا هناك دروس بمليون وأخرى بمليون ونصف ولا يوجد ( حسب اطلاعي) أقل من المليون بالنسبة للدروس الخصوصية. ولو جمعنا مبلغ الدرس الواحد الذي لا يستغرق إلا أياما معدودا وضمن ثلاثة أشهر تقريبا فيمكن أن يحصل الأستاذ على مبلغ ٢٠ مليون دينار لمجرد أنه يدرس عشرين طالبا خارج المدرسة. وكلما زاد العدد زاد المبلغ. مع أن هذا الأستاذ هو نفسه معين من قبل التربية ويقبض الراتب الشهري الحكومي لتدريس المادة نفسها في المدرسة الحكومية إلا أنه لا يدرسها في الصف بل يدفع بالطلبة أن يدرسونها خارج الصف! وعنده وبمبالغ طائلة. ( صدقا وأنا أكتب هنا شعرت بالاشمئزاز من هذه النفوس المتوحشة والملوثة). لأننا تربينا على قداسة مهمة التعليم فإذا أصيبت هكذا فلا داعي أن أكمل واعتذر سوف أذهب إلى الحلول.
الحلول :
١- إجراء شراكة في المدارس الحكومية مع مستثمير لإبقاء التدريس الحكومي وإعادة قوته وتقليص الجهد على الطلبة وعدم تشتتهم بين الحكومي والأهلي. فجمع الأهلي والحكومي للمدرسين أنفسهم مما يولد الرصانة والاستفادة للطالب والمستثمر والحفاظ على التربية والتعليم قبل أن تنتهي المدراس إلى الخراب التام.
٢- منع المدرسين الذين تم تعيينهم من أخذ الدروس الخصوصية للحفاظ على أمانة التعليم وغلق باب الفساد من هذه الناحية وقطع طريق إيجاد الذرائع لدفع الطالب إلى الانصياع للدروس الخصوصية.
٣- تحسين رواتب المدرسين بما يناسب شأنهم حتى لا ينجروا إلى العمل خارج المدارس الحكومية فنحن لا يمكن أن ننظر بعين واحدة فمع ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة يمكن أن يجد المدرس نفسه مجبورا لزيادة دخله الشهري بالذهاب إلى الخصوصي( وإن كان هذا العمل كما ذكرت مقزز وأقرب إلى العهر) فإذا تم تحسين راتبه ( الذي لا أعرف كم هو واقعا ) فلعله نقلل من تراجع روح التربية والتعليم لدى المدرس.
٤- تكثيف الحماية للسلك التدريسي ووضع قوانين صارمة على الواسطات والوجاهات وإقرار قوانين تحمي المدرسين من أي ضغط أو اعتداء.
٥- استحداث مدارس جديدة ولو تم تسييج بعض الساحات في المناطق ووضع بعض الكرفانات التي تنصب على شكل صفوف يمكن أن نرى مدرسة من كرفانات حديثة ومجهزة خلال يومين فقط لا تحتاج إلى بناء ولا وقت طويل. فمن غير المعقول أن يكون عدد الطلاب في الصف الواحد يتجاوز الأربعين طالباً.
٦- استحداث قسم شؤون الطلبة في كل مدرسة ولو على شكل _صندوق _ يتم وضعه من قبل الإشراف ويفتح (حصرا) من قبل لجنة خاصة للنظر في شؤون الطلبة. فلعل بعض المدراء يمارسون سلطة التملك ويخالفون القوانين الادراية من قبيل عدم قبول النقل أو عدم إنصاف الطالب أو عدم مراجعة دفتر الامتحان وغيرها من الأسباب الكثيرة.
هذه الحلول كسابقاتها ليست تعجزية ولا مثالية وإذا عملنا عليها سنقلل بل سنقضي على تراجع التعليم إن شاء الله كما أنني في هذا المقال أنوه أن لكل قاعدة شواذ فلا تعميم ولا شخصنة ونبقى ندين لأساتذتنا الذين صنعوا منا نماذج أقل ما يقال عنها أنها محترمة . والله من وراء القصد.
https://t.me/iljnaan/2309
الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح.
٢٠٢٢/١٠/٦
https://chat.whatsapp.com/BA9W9wAq0fKJoubj6MV3UT
0 التعليقات:
إرسال تعليق